للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد نحا هذا النحو، بل سبق إلى مواضع منه الإمام الجرجاني، حين ذهب إلى أن اللغة إنما هي أداة إبلاغ السامع ما يجهله، وعمد إلى تحليل النص الأدبي والانتهاء به إلى وحدته، وهي الجملة، والكشف عن بنية الجملة الظاهرية الأصلية، والإفصاح عن اختلاف الصور في الجملة باختلاف مواقع أجزائها بالتقديم والتأخير، وميَّز ما قُدّم من هذه الأجزاء لغرض تحويل الصورة عما هي عليه، وما قدَّم وهو على نية التأخير فلم يمل بالصورة عن إطارها. بل كشف عن موقع كل جملة من الأداء بتنقل أجزائها أو تغيرها، فنفى أن تتفق جملتان فيما تعنيان ما لم تتماثلا من كل وجه.

ولا بأس أن نلمَّ بطرف من حديث الجرجاني عن (التقديم والتأخير) ، وهو يتصل بما نحن بسبيله من الكلام على الفعل.

قال الجرجاني: "واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا في –تقديم الشيء –شيئاً يجري مجرى الأصل، غير العناية والاهتمام. قال صاحب الكتاب، سيبويه، وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهمَّ لهم، وهم بشأنه أعنى، وإن كانا جميعاً يُهمانهم ويعنيانهم. ولم يذكر في ذلك مثالاً. وقال النحويون: إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعلٍٍ ما أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر من الأذى، أنهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قُتل وأراد مريدٌ الإخبار بذلك، فإنه قدم ذكر الخارجي، فيقول: قتل الخارجيَّ زيد، ولا يقول: قتل زيدٌ الخارجيَّ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له، زيدٌ، جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم، ويعلم أن حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه: متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وأنهم قد كَفوا شرّه وتخلّصوا منه".

<<  <   >  >>