للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: "فإن كان رجل ليس له بأس ولا يقدّر فيه أن يقتل رجلاً، وأراد المخبر أن يَخبر بذلك، فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول: قتل زيد رجلاً، ذلك لأن الذي يعنيه ويعني الناس من شأن هذا القتل طرافته وموضع الندرة فيه، وبعده كان من الظن، ومعلوم أنه لم يكن نادراً وبعيداً من حيث كان واقعاً بالذي وقع به، ولكن مِنْ حيث كان واقعاً من الذي وقع منه، فهذا جيد بالغ".

وقد خلص الجرجاني من حديثه إلى القول: "إلا أن الشأن في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدِّم في موضع من الكلام مثل هذا المعنى، ويفسَّر وجه العناية فيه هذا التفسير.

وقد وضع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال: أنه قدَّم للعناية ولأن ذكره أهم، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية، ولمَ كان أهمَ، ولتخيلهم ذلك قد صَغُر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم، وهوَّ نوا الخطب فيه، حتى أنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضرباً من التكلف، ولم تر ظناً أزرى على صاحبه من هذا وشبهه /٨٤ و٨٥".

وتدبَّر نضج الجرجاني في تقديم المفعول من قوله تعالى:"وجعلوا لله شركاء الجنّ –الأنعام /١٠٠"، إذ قال: "ليس بخافٍ أن لتقديم الشركاء حسناً وروعة ومأخذاً من القلوب، أنت لا تجد شيئاً منه ان أنت أخّرت فقلت: وجعلوا الجن شركاء لله، وأنك ترى حالك حال من نقل الصورة المبهجة والنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، ولا تصير النفس به إلى حاصل"، وأردف: "والسبب في أن كان كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنىً جليلاً، لا سبيل إليه مع التأخير".

<<  <   >  >>