للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولنأت بمثال يكشف عما قصدنا إليه. فإذا نحن تدبرنا ما جاء من (كتب) على فاعل أي (كاتب) وجدنا أن الأصل فيه أن يفيد الحدوث فيجمع جمع الصفات فيقال (كاتبون) ، ويكون معناه القائم بالكتابة، والكتابة في الأصل هي الخط، فكاتب السطر هو الذي يخطه. فإذا أردنا بـ (كاتب) من ينشئ النثر ويزاوله صحَّ تكسيره وجمعه على (كتاب) ، ويكون (الكاتب) هنا الذي يزاول صناعة الكتابة أي إنشاء النثر. فتقول جلست إلى كاتب من أشهر الكتاب كقولك حاورت عالماً من أظهر العلماء. قال ابن منظور في معجم اللسان: "كتب الشيء يكتبه كتباً وكتاباً وكتابةً، وكتبه: خطَّه" بتشديد الطاء، هذا هو الأصل. ثم قال: "والكتابة لمن تكون له صناعة مثل الصياغة والخياطة. ورجل كاتب والجمع كتَّاب وكتبة، وحرفته الكتابة. ابن الأعرابي: الكاتب عندهم العالم".

وجاء في كشف الطرَّة (ص ١٠٧) : "وفي الدر المصون الصفة لا تقوم مقام الموصوف إلا إذا كانت خاصة نحو: مررت بكاتب، أو دل دليل على تعيين موصوف". فأنت إذا استعملت (الصفة) استعمال الاسم فتحولت بها عن الحدوث قامت مقام الموصوف فكان لها في الجمع شأن الأسماء. قال المرزوقي في شرح ديوان الحماسة (١/ ٤٢٦) : لأن الصفة لا تقوم مقام الموصوف حتى تدل عليه دلالة قوية.

فأما إذا كانت عامة في أجناس، فلا يجوز ذلك فيه. فإذا قلت مررت بطويل وأنت تريد رجلاً، لم يحسن، لأن الطويل يكون في غير الرجال، كما يكون في الرجال. ولو قلت مررت بكاتب يحسن إذ كانت الكتابة مختصة". والمهم في (الكاتب) الذي مررت به أن يختص فيكون صاحب صناعة (الكتابة) سواء أكانت هذه الكتابة إنشاء للنثر أم الخط.

وهكذا الحكم في الوارث حين استعملوه استعمال الأسماء فقام مقام الموصوف، فأنت تقول جاء ورثة فلان كما تقول حاورت كتبة المجلة، فتستغني بالصفة عن الموصوف.

٣-مشهد شائق لا شيِّق:

<<  <   >  >>