أقول إذا تدبرنا المادة ألفينا أنها تستعمل في المعنيين: العام وهو الفقد والخاص وهو الفقر؛ تدرجاً من أولهما إلى ثانيهما. فقد جاء (المعدوم) بمعنى المفقود من (عدمته) المجرد، تقول عدمت الشيء فهو معدوم كما تقول فقدته فهو مفقود. ويأتي (عديم) كذلك بهذا المعنى، خلافاً لما انتهى إليه المحدثون حين قصروا معنى (العديم) على الفقير. وشاهد استعمال (المعدوم) بمعنى المفقود قول أبي حيان التوحيدي في كتابه (البصائر والذخائر) : "وإنك ترى زمانك معدوم الفضل قليل الناصر". وشاهد استعمال (العديم) بهذا المعنى قول الراغب الأصفهاني في مفرداته (في غرب) : "وقيل لكل متباعد غريب، ولكل شيء فيما بين جنسه عديم النظير، غريب"، فجاء (عديم) بمعنى مفقود.
وهكذا (عادم) من عدمه إذا فقده. فعادم الشيء فاقده، وعليه قول أبي حيان التوحيدي في البصائر والذخائر:"قال فيلسوف: عادم بصر البدن يكون قليل الحياء، وكذلك عادم عين العقل يكون كثير القِحَة". والقحة بكسر الفاء وفتح الحاء: الوقاحة. فأنت تقول إذاً: عادم النفع كما تقول فاقد الوعي، وعديم النفع. كما تقول معدوم الفضل، كل ذلك صحيح.
ووجاء من المزيد قولهم (أعدمني الشيء: لم أجده) كأعوزني، كما في القاموس المحيط. وفي أساس البلاغة:"وأعوزني هذا الأمر وأعجزني إذا اشتد عليك وعَسُر، وهذا شيء مُعوز، بضم أوله وكسر ما قبل آخره، عزيز لا يوجد".
ز-ولكن ما القول في (انعدم) ، ولم تأت به المعاجم المعتمدة كالأفعال لابن القوطية والصحاح والمختار واللسان والمصباح، والمعاجم الحديثة كأقرب الموارد والمنجد والمتن والوسيط، بل أنكرته ولحَّنت قائله كتب اللغة والمعاجم على السواء، كالمفصَّل للزمخشري والقاموس والتاج ... واعتلَّ الزمخشري بأن (انفعل) إنما يأتي من فعل ذي علاج وتأثير، وذكر ذلك الأستاذ محمد العدناني في معجمه (الأغلاط اللغوية المعاصرة) ، فأنكر (انعدم) .