وبحث هذا من المحدثين الشيخ ظاهر خير الله، رحمه الله، في كتابه (المنهاج السوي في التخريج اللغوي) ، فأنكر قولهم (انعدم) وقال: "وانعدم لحن.. وغاية ما هنالك أنهم قالوا أن انفعل لمطاوعة فَعَل ذي العلاج أي التأثير المحسوس كقسمته فانقسم ص ١٨". واشترطوا في (انفعل) كذلك أن يأتي مطاوعاً لفعل دون أفعل، فمنعوا قول القائل (انضاف) لأنه من (أضاف) لا من (ضاف) . ذكر ذلك أبو محمد القاسم الحريري في كتابه (درة الغواص في أوهام الخواص) .
وعندي أن نُجيز من (انفعل) ما جاء استعماله فجرى في كلام الفصحاء، لا لأن الخطأ لا يجري عليهم، بل لأنهم كانوا من أئمة اللغة فمارسوا الكتابة فيها، خلافاً لكثير من كتَّابنا المحدثين، ومن ثم أحاطوا بما انتهى إليه علماء النحو والصرف من قواعد وأصول. فإذا استجازوا ما كان ظاهر كلام العلماء على خلافه فقد التمسوا لذلك وجهاً أو حكوه عن العرب. فقد جاء (انعدم) مثلاً في كلام ابن جني، إذ قال (في الخصائص) : "فلما انعدم من آن المصدر الذي هو أصل الفعل عُلم أنه مقلوب في أنى يأنى اِنىً –١/٦٨٠". جاء ذلك في نسخة الكتاب المطبوعة بمصر عام (١٣٣١هـ، و ١٩١٣م) ، أما في نسخته المطبوعة بتدقيق الأستاذ محمد علي النجار فقد جاء "فلما عُدم من آن المصدر ... -٢/٧٠" فأبدل من (انعدم) عُدم أخذاً بأقوال الأئمة النحاة.
وقد بحث هذا مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مؤتمره خلال دورته السابعة والثلاثين عام (١٩٧١م) فأقر جواز استعمال (انعدم) ولو لم يكن ثمة نص صريح على جوازه، ذلك لجريانه في الاستعمال منذ قرون، والحاجة إليه في التعبير في غير مجال من المجالات العصرية، واقترن ذلك باعتراض بعض الأعضاء.