أقول إن النص على استعمال (عطل) بحرف من حروف الجر لا يمنع من استعماله بحرف آخر إذا اتسع له معناه. وقد عرضنا لذلك في كتابنا (مسالك القول في النقد اللغوي) فقلنا: "ليس شيء أولى بالتدبر وأحق بطول الدربة والدراية من استعمال حروف الجر. إذ لا يكفيك للتثبت في صحة اختيار الحرف لتصريف الفعل في معنى من معانيه أن تعود إلى المعاجم وحدها، بل لا يجزيك حيناً أن تقف، في كتب النحو، على ما يطرد فيه استعمال كل حرف ... أو تضرب بسهم من تصفح كتب الأدب نثره وشعره، ذلك أنه لا بد لإحكام استعمال هذه الحروف من أن تعلق من كل ذلك بسبب وتحظى بطائل ... فيتحصل بمطالعتك هذه ومدارستك ما يبصرك بتصريف هذه الحروف وإجرائها في مجاريها.. ص ٩١".
وعندي أن قولك (عطل عن العمل) و (عاطل عن العمل) صحيح لا غبار عليه. فانظر إلى قول الراغب صاحب المفردات:"العطل فقدان الزينة والشغل" وقد دلَّ بقوله هذا على أن (العطل) لا يقتصر على الخلو من (الزينة) ، ولو كان هذا هو الأصل في استعماله كما ذكرنا من قبل. وأردف فقال:"وعطلته من الحلي ومن العمل فتعطل" فدل بذلك على صحة ما انتهينا إليه من صحة قول القائل (عطل من العمل فهو عاطل ومتعطل) لثبوت (عطل) اللازم و (عطّلته) المتعدي فتعطل، خلافاً لما ذهب إليه الأستاذ عباس أبو السعود. ثم قال:"وعطل الدار عن ساكنها والإبل عن راعيها" بتشديد الطاء، فاستعمل (عن) للتعبير عن تعطيل الدار عن ساكنها أي إخلائها، خلافاً للأصل، كما استعمل (عن) في تعطيل الإبل عن راعيها أي قطعها عنه بإخلاء زرعها منه. قال صاحب المصباح:"وعطلت الإبل خلت من راع يرعاها، ويتعدى بالتضعيف فيقال: عطلت الأجير والإبل تعطيلاً".