ويتبين عند التحقيق أنك إذا قلت:(عطل الرجل من العمل فهو عاطل منه) فقد أخذت بالأصل الذي هو (عطلت المرأة من الحلي) واعتددت به. وإذا قلت (عطل الرجل عن العمل فهو عاطل عنه) فقد أخذت بما انتهى إليه معناه وعوَّلت عليه. ذلك أن (تعطيل الرجل) حجز له عن العمل الذي به قوامه، وحبس له عن السعي الذي به كيانه. فتعطيل الرجل يعني تنحيته عما فطر عليه، لا مجرد إخلائه أو محض تعريته من صفة محمودة يحوزها كأدب أو مال أو سوى ذلك.
ولا يعد (عطل) فريداً في تعديته بمن وعن. فأنت تقول بعد عنه ومنه وتباعد عنه ومنه.
كما تقول تحول عنه وهو المشهور، وتحول من حال إلى حال كما جاء في (لطائف اللطف/ ٦٤) للنيسابوري.
وهكذا قيل (تنقل من موضع كذا) كما هو الشائع, وقيل (أصبح السلطان متنقلاً عن أهل الفضل إلى أهل النقص) كما جاء في كليلة ودمنة (باب برزويه) لابن المقفع. ونحو ذلك (انصرف عنه) كما هو الجاري و (انصرف من بلاد الهند) كما في المصدر نفسه.
وتقول (تحرَّز منه) كما في الصحاح والقاموس والمصباح، وتقول (تحرَّز عنه) ، كما جاء في الأدب الكبير لابن المقفع، إذ قال:(تحرزاً بذلك عن تقصير فعل/ ٨٥) . وتقول (خرج منه) و (خرج عنه) . قال ابن المقفع في كتابه المذكور:(وكان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، وخارجاً من سلطان لسانه فلا يقول ما لا يعلم/ ١٣٣) ، كما جاء في سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي:(وخرج عن حد الاستعمال) وفي مقدمة الكتاب (وخرج عن مقدور البشر) ، أي تجاوز، ونحو ذلك ما جاء في المخصص لابن سيده (تخلَّيت منه وتخلَّيت عنه) .
ولا شك أن لكل حرف من هذين معنى يقتضيه عند التحقيق. فلا بد أن يفضي الفعل مع حرف بعينه إلى معنى لا يفضي إليه مع حرف آخر. وقد بسطنا القول في ذلك بكتابنا (مع النحاة/ ١١١) .