ويتصل بما نحن بصدده ما جاء في معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة. فقد ذهب الأستاذ محمد العدناني في معجمه هذا إلى تخطئة قول القائل (عاضه عن الشيء) وجعل صوابه (عاضه الشيء) و (عاضه منه) ، مستشهداً بما جاء في الحديث عن أبي هريرة:"فلما أحلَّ الله ذلك للمسلمين، يعني الجزية، عرفوا أنه قد عاضهم أفضل مما خافوا"، على صحة (عاضه الشيء) ، ومستشهداً بما جاء في الألفاظ الكتابية للهمذاني وفي أساس البلاغة للزمخشري وسواهما، على صحة (عاضه منه) . لكنه أقر بصحة قول القائل (اعتاض عنه) ، كما جاء في المقامة الدمياطية لأبي القاسم الحريري ومحيط المحيط، إلى جانب قول القائل (اعتاض منه) !
والغريب أن يثبت العدناني (اعتاض عنه) ويمنع (عاضه عنه) ، والأصل أن يتفق الحرف في (فعلته فافتعل) كجمعته إلى فلان فاجتمع إليه، ونسبته إلى فلان فانتسب إليه وخصصه بكذا فاختص به. ونحو ذلك (أفعلته فافتعل) كأبعدته عنه فابتعد عنه وهكذا.. و (اعتاض) معناه أخذ العوض. و (عاضه) أعطاه العوض. فصواب المسألة أنك تقول (عضته من كذا) فاعتاض منه، كما تقول (عضته عن كذا) فاعتاض عنه. وتقول إلى ذلك (هذا عوض من ذاك) و (هذا عوض عن ذاك) أيضاً. ودليل ذلك ما جاء في كلام الفصحاء. فإذا عدت إلى (خزانة الأدب) للإمام عبد القادر البغدادي (المطبوع بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد) ، وتصفحته، لا سيما الجزء الثاني منه، ألفيت أن الفعل (عاض) ومشتقاته والاسم منه في الصفحات (٩٤ و ١١٣و ١٤٩) خاصة، قد عُديت بالحرفين جميعاً، كقوله (المعوض عنه ومنه، والعوض عنه ومنه) وقد تكرر ذلك.