وقد روى البصريون (أحضر) بالرفع، وقال سيبويه: أصله –أن أحضر- فلما حذفت- أن- ارتفع الفعل. ورواه الكوفيون بالنصب واحتجوا بعطف (أن أشهد) على (أحضر) ، فأحضر منصوب لديهم والناصب مضمر قبلها لضرورة الشعر.
أقول ما دام المعول على ما جاء من ذلك في كلام الفصحاء، فقد ورد رفع المضارع بعد حذف (أن) الناصبة في الاختيار. من ذلك ما جاء في حديث جابر بن سمرة:"فشكوه حتى ذكروا أنه لا يُحسن يُصلي" برفع (يُصلّي) . وفي الحديث أيضاً:"لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر حدُّث على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" برفع (تُحدُّ) ، أي لا يحل لها ترك الزينة لحزنها فوق ثلاث. وفي كلام الجاحظ، كما حكاه الثعالبي في كتابه (لطائف اللطف) : "أتحسنين تضربين بالعود"، والأصل: أن تضربي.
وعلى ذلك المثل المشهور (تسمعُ بالمُعَيدي خيرٌ من أن تراه) برفع (تسمع) ، والأصل: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
وفي التنزيل:"قل أفغيرَ الله تأمرونّي أعبدُ أيها الجاهلون –الزمر/ ٦٤"، برفع (أعبد) ، والتقدير أتأمروني بعبادة غير الله؟
فثبت بذلك مجيء المضارع مرفوعاً في الاختيار مع حذف (أن) الناصبة، أما جواز النصب فيه فقد قال به الكوفيون، ولكن عند الضرورة، لا في الاختيار. فما جاء من ذلك فهو شاذ.
٩-إنّ وأنّ:
يشكل على الكتاب حيناً متى تكسر همزة (ان) المشددة ومتى تفتح. والقاعدة في التفريق بينهما أنه كلما أمكن إنزال (أن) وما بعدها منزلة المفرد فاعلاً أو مفعولاً أو مبتدأ أو مجروراً ... فتحت همزتها، ففي قولك مثلاً:(بلغني أنك مسافر) جاء أن وما بعدها في تأويل المفرد مرفوع المحل فاعلاً، أي بلغني سفرُك.
وفي قولك:(علمت أنك قادم) جاء أن وما بعدها في تأويل المفرد منصوب المحل مفعولاً به، علمت قدومك.
وفي قولك:(الحق أنك موفق) جاء في تأويل المفرد مرفوع المحل على الخبر أو الابتداء أي: الحق كونك موفقاً.