للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أراد الأئمة بالقلب غير ما راموه بالاشتقاق الكبير. فأمثلة القلب توحي بأن العرب قد عنوا ألفاظاً بعينها فتحركت ألسنتهم بما يجاورها نطقاً، فلم يخالفوا بين ما نطقوا به وما عنوه من الألفاظ في الحروف، لكنهم خالفوا في مواقع هذه الحروف بعضها من بعض. مثال ذلك قولهم (أيس) ، وقد عنوا به (يئس) بمعنى قنط. وقولهم (أشاف) وقد عنوا به (أشفى) بمعنى أشرف. وقولهم (دهدهتُ الشيء) إذا حدرته وقد أرادوا به (هدهدت الشيء) . وقولهم (أمضحلّ الشيء) قصدوا به (اضمحلّ) إذا انحلّ، و (اكرهفّ) قصدوا به (اكفهرّ) إذا عبس، وهكذا..

وهم لم يؤصلوا ما ازدحمت أحرفه على ألسنتهم فنطقوا به على هذا الوجه، فإذا طلبت في المعاجم (أيس) عدت إلى (يئس) ، أو طلبت (أشاف) عدت إلى (أشفى) وهكذا الباقي غالباً. وأسموا (أيس) هذا مقلوباً و (يئس) مقلوباً عنه. وهم تصرفوا في المقلوب غالباًُ لكنهم حدّوا هذا التصرف فلم يتخذوا للأفعال المقلوبة مصادر من جنسها لانتفاء موادها. فقالوا (أيس يأساً) ولم يقولوا (أيس أيساً) .

فالمقلوب والمقلوب عنه لفظان ترادفاً معنى واتحدت حروفهما ولكن اختلف ترتيبها. ومن ثم كان القلب غير الاشتقاق الكبير. فليس في هذا أي الاشتقاق الكبير، وحدة في المعنى بين تقليب وتقليب ولو كان بينهما جامع، وإنما يتغير المعنى بتغير مواقع الحروف. وكل تقليب هو أصل منصوص عليه نحو كلم وملك وكمل عدا ما كان منه مهملاً. وليس للمقلوب (كأيس) أصل منصوص عليه، وإنما هو محمول على ما اعتدّوه أصلاً له وهو (أيس) .

ولا بد من التنبيه على أن القلب قد جاء على غير الأصل. ذلك أن الأصل فيما اختلفت مواقع حروفه، كما اتضح في الاشتقاق الكبير، أن يختلف معناه خلافاً للمقلوب. وإذا اتفق في اللغة أن يقع الترادف بين لفظين اختلفت حروفها، أو اتفقت حروفهما وتغير ترتيبها. فليس هذا هو الأصل والغالب.

٥- نصوص الأئمة وكلام الباحثين في القلب

<<  <   >  >>