للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإذا جاء لفظان بمعنى وليس بينهما في التركيب إلا تغيير مواضع الأحرف نُظر، فإذا أمكن أن يعتد أحدهما أصلاً والآخر فرعاً يحمل عليه، كان الفرع مقلوباً من الأصل. ولا يكون ذلك إلا بدليل ثابت. وأظهر دليل يمكن التعويل عليه أن يتسع التصرف في أحدهما ويضيق في صاحبه فيكون أكثرهما تصرفاً هو الأصل والآخر مقلوباً عنه. قال ابن جني في الخصائص (١/٤٦٧) : (وذلك كقولهم أنى الشيء يأني، وآن يئين. فآن مقلوب عن أنى، والدليل على ذلك وجود مصدر أنى يأني وهو الأني، ولا تجد لآن مصدراً كما قال الأصمعي) . وأردف: (فلما انعدم من – آن – المصدر الذي هو أصل الفعل علم أنه مقلوب عن أنى يأني إنى) . ثم استدرك فقال: (غير أن أبا زيد قد حكى لآن مصدراً وهو الأين، فإن كان الأمر كذلك فهما إذاً أصلان) .

أقول: يعني هذا أنه إذا استكمل كل تصرفه كان كلاهما أصلاً ولم يكن أحدهما مقلوباً عن صاحبه، ولو اتحدا معنى.

وجعلوا (أيست من كذا) مقلوباً من (يئست) . ذلك أنهم حكوا لـ (يئس) مصدراً هو (اليأس واليآسة) ولم يحكوا لـ (أيس) مصدراً من لفظه قط، فثبت أنه مقلوب من (يئس) على أنهم أتوا لقلب (أيس) بدليل آخر. وذلك أن من حق (أيس) في الأصل أن يُعلّ فتقلب ياؤه ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فتقول (آس) كما تقول (خاف) ، و (إست) كما تقول (خفت) .

فبقاء الفعل صحيحاً على (أيس) دون إعلال، نمّ على أنه مقلوب. قال الرضي في شرح الشافية (١/٢٣-٢٤) : (ولعل مراده أنه إذا كانت الكلمتان بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا بقلب حروفهما، فإن كانت إحداهما صحيحة مع ثبوت العلة فيها دون الأخرى كأيس مع يئس، فالصحيحة مقلوبة من الأخرى) .

وقد قصد بقوله (وإن كانت إحداهما صحيحة) ، أيس، فقد بقيت صحيحة غير معلَّة. على أنه ليس (صحة الكلمة) في الأصل، أي عدم إعلالها، نصاً في كونها مقلوبة، كما أشار إليه الرضيّ في شرحه.

<<  <   >  >>