-التمس المؤلف إلى بغيته في ذلك وسيلة طريفة ومساغاً جديداً فقال:(والطريق إلى معرفة الأصل هو معرفة الأضداد/ ١٥) . وهو لا يعني بالأضداد ما اتفقت وجهة الأئمة فيه أو غلب رأي جمهورهم أو أجمع، على الأخذ به، بل قصد شيئاً آخر فقال:(فهل هذه الأضداد هي الأضداد المعروفة والموجودة في كتب اللغة والتي هي في مثل قولهم: العلم ضد الجهل، والشك ضد اليقين، والظلام ضد النور) ، وأردف:(ان هذه الأضداد ليست هي الأضداد المقصودة هنا وهي ليست بالأضداد القائمة في الألفاظ ذاتها، ويمكن أن يقال عنها انها أضداد تقليدية. وقد يعجب القارئ من هذا الكلام. فالموضوع ليس إنكار التضاد القائم بينها، لأن ما نحن بصدده إنما هو الأضداد المتقابلة التي تؤلف السداة واللحمة في نسيج هذا الوجود القائم. والأضداد المتعارف عليها ليست كذلك/ ٨٥ و١٦) . فهو قد تذرع إلى ضبط معنى الألفاظ عامة بالبحث عن أضدادها المتقابلة فقال:(وكذلك يمكن تحديد معنى الألفاظ كلها في هذه اللغة بمقارنتها بأضدادها.. وبهذه المقارنة يكون الوصول إلى كلمة الفصل في الموضوع/ ٢٧) .
-وهو لا يروم بالمعنى (الأصل) ما أراده الأئمة، وإنما يبغي به ما أسماه (وجهة المعنى أو اتجاهه) . فانظر إليه يقول:(هل لهذا المعنى – الأصل – في صورته الأولية وجود مستقل عن الوجهة، أم أن وجوده في الوجهة ذاتها، أو هو الوجهة ذاتها/ ٤٦) . ويقول أيضاً:(فاللفظ الأصل يتجلى وجوده في اتجاهه/ ٤٧) .
-ويذكِّر هذا بمقالة أصحاب المنطق في أن لكل قضية مادة ووجهة. فمادة القضية كيفيتها، أما وجهتها فهي نسبتها إلى سلب أو إيجاب. وإذا كان الاختلاف بين الكيفيتين يصير إلى التضاد، فالاختلاف بين الوجهتين يؤول إلى التنافي. والتقابل بين السلب والإيجاب، أقوى من التقابل بين المتضادين.