أما (الجيم) فيبدو أنها تعني (التحرك) كما يتضح من (أجّ وبجّ وحجّ ودجّ ورجّ وزجّ وضجّ وعجّ ومجّ ونجّ وهجّ) ٢.
وأما (النون) فتدل على الستر والخبء والتطامن والضعف، كما يتضح ذلك من (أن وجن وحن ودن وذن ورن وشنّ وصنّ وضن وظن وغن وكن ومن وهن) ٣.
وسترى أن الحرف الثاني، المشدد، هو الذي يطغى على معنى اللفظ، وإن شف هذا المعنى عن دلالة الحرفين جميعاً، ومن ثم أتينا للاستدلال على معنى الجيم بما انتهى من المضاعف بهذا الحرف، وعلى النون بما ختم من المضاعف بالنون.
فمعنى (جن) على هذا أن شيئاً متحركاً قد اختبأ واستتر، وهو واضح في معنى (الجنين) و (الجنّ) ، ومعنى (نجّ) أن شيئاً مخبوءاً مستوراً قد تحرك، وهذا جلي في قولك (نجت القرحة) إذا سالت بصديدها أو دمها. وليس معنى كل من اللفظين مناقضاً لمعنى الآخر، وإنما اختلف تعاقب دلالتي المحرفين في كل منهما، فسبق في (جن) الشيء المتحرك وتبعه ما دل على أنه مخبوء وطغى (الخبء) على معنى اللفظ، كما تقدم في (نجّ) الشيء المخبوء وتبعه ما دلّ على أنه متحرّك، وغلب التحرك على معناه.
ولكن هل يتأتى أن يكون المقلوب مضاداً للمقلوب عنه؟ أقول يتراءى هذا إذا تألف اللفظ المضاعف من حرفين يدل كل منهما على نقيض الآخر أو نحو منه. فالراء مثلاً يدل على اليسر والجري، والدال تدل على تشدد وتمنع وحيلولة. فقولك (درّ) يدل على أن شيئاً متمنعاً قد استيسر وجرى، وقد جعل المؤلف له معنى (العطاء) . و (ردّ) يدل على شيء جارِ مستيسر، حال ما اعترض جريه واستيساره، وقد جعل له المؤلف معنى (المنع) . ولكن هل يعني هذا أن (ردّ) في نقيض (درّ) في كل حال، كما تراءى للمؤلف؟
أقول لا، إذ ليس في قولك (رددت الأمانة إلى أهلها، أو رددت الأمر إلى نصابه) منع أو استعصاء، وإنما ثمة حيلولة دون بقاء الأمانة في غير أهلها، والأمر في غير نصابه. فلا وجه إذاً لإطلاق التضاد بين اللفظين ولو تضاد في الدلالة حرفاهما.