وقال ابن القوطية:(ونج الجرح نجيجاً سال دمه) وجاء في التاج (ونجّ أسرع فهو نجوج) وإذا التبس معنى المضاعف الثنائي عُوّل على المضاعف الرباعي، كما فعل المؤلف نفسه في مواضع كثيرة من أمثلته، فما معنى (تجنج) ؟
قال الجوهري في الصحاح:
(نجنجت الرجل حركته.. ونجنج إبله إذا رددها على الحوض.. والنجنجة ترديد الرأي.. والنجنجة الجولة عند الفزع) .
ونحو من ذلك ما جاء في اللسان والتاج. ففي اللسان (النجنجة التحريك والتقليب، ويقال نجنج أمرك فلعلك تجد إلى الخروج سبيلاً) . وفي التاج:(نجنج إذا حرّك وقلب، وتنجنج: تحيَّر واضطرب) .
فـ (نَجَّ) إذاً لا يعني ظهر ولا برز، كما تراءى للمؤلف، وإنما يعني تحرّك واضطرب وسال وجرى وعدا، هذا معناه وهذه وجهته. ونجنجه حركه وقلبه. فكيف يكون (نج) هذا مضاداً لـ (جنَّ) الذي يعني (الستر) أو جارياً في عكس وجهته؟
ولا شك أن باب الأمر في هذا تحقيق أصل المعنى ووجهته، لا ما بدا منه وسنح أول وهلة. أو ليس حد الأصل أن يتأتى رد الفرع إليه؟ فإذا كان أصل المعنى في (نج) برز وظهر، كما ذهب إليه المؤلف، فهل يتسنى أن تعزو إليه (نجَّ: أسرع فهو نجوج، ونجنج إذا حرّك وقلَّب، وتنجنج إذا تحيَّر واضطرب) ؟
أقول هذا إذا تذرعنا باستقراء معاني كل من (جنّ) و (نجَّ) . فإذا عجنا بوسيلة أخرى هي (التحليل) فحاولنا تدبر المعنى الذي يمكن أن يكون عليه من اللفظين بالعودة إلى حرفيهما ومراعاة موقع كل من صاحبه، خلصنا إلى ما وراء الدلالة التي عزيت إليهما. ولكن لا بد هاهنا من التعويل على (الحدس) والحدس كما لا يخفى أول الكشف، والسبيل إليه.
فإذا توسلنا بالتحليل القائم على الحدس (وحدسُنا هذا مسنون لا عبث فيه ولا رجم) كان لا مناص من معرفة الدلالة الأولى للجيم والنون، وما يترتب على تعاقب هاتين الدلالتين في تأليف معنى اللفظ.