للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

-مثل المؤلف في (محاضرته) للمضاعف بـ (جنَّ ونجَّ) فقال: (وهذا الكشف الذي يظهر أوّل مرة في العالم سبق للعلاّمة ابن جني أن قال ان جميع تقليبات اللفظ تتجه إلى صفة واحدة، أي أن لفظ – جن – يتجه في جميع تقليباته إلى الستر) وأردف (ولو قال إن جّنَّ تعني الاستتار، ونجّ تعني الظهور من قولهم تجّت القرحة إذا خرج منها ما فيها من قيح، وبرز، وعمم ذلك على ألفاظ العربية لكان للأمر شأن آخر، ولكنه لم يصل إلى ذلك. وهذا الكشف ينتهي إلى قانون: ضد اللفظ قائم فيه. والجديد فيه جانبه اللغوي. أما القانون نفسه فهو معروف قديماً) .

أقول: فيما حكاه المؤلف في (محاضرته) عن ابن جني نظر. وهو لم يذكر الموضع الذي نقل منه هذا القول. ذلك أن المقصود هاهنا مشتقات اللفظ لا تقاليبه. فالتقاليب عند ابن جني كما رأيت هي الصور الحاصلة بتغيير مواضع الأحرف في المادة، وهي للثلاثي ستة تقاليب، أما للمضاعف فتقليبان لا ثالث لهما.

وحكى المؤلف (في كتابه/ ١١٥) نحواً من هذا عن ابن فارس في المقاييس، والحكاية صحيحة.

قال المؤلف: (ولكنه حين قال: إن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر، قد قال نصف الحقيقة فقط، فهما كذلك حين تكون الجيم أولاً والنون آخراً. أما حين ينعكس الأمر وتكون النون أولاً والجيم آخراً، فإن الآخر ينعكس وتصبح – ن ج – للبيان والظهور) .

والذي يعنينا من المسألة الجانب اللغوي. فـ (جنّ) تعني (ستر) ، لا شك في ذلك. ففي الصحاح: (جننت الميت وأجننته واريته، وأجننت الشيء في صدري أكننته. وأجتنت المرأة ولداً، والجنين الولد ما دام في البطن) . ولكن ما الذي يعنيه مقلوب (جنَّ) وهو نجَّ) ؟

قال صاحب المقاييس: (النون والجيم أصل يدل على تحرك واضطراب وشبيه ذلك) ، ثم قال: (ونجَّت القرحة سالت) . ولم يذكر للمادة أصلاً معنوياً آخر. والذي سال وتحرك دم الجرح أو مدته أي قيحه. قال الجوهري: (نجَّت القرحة تنجُّ بالكسر نجيجاً سالت بما فيها) .

<<  <   >  >>