أقول في الجواب عن أن الأفعال التي مثل بها سيبويه لازمة حيناً متعدية حيناً آخر، فإذا قيل (تعدى) أوجب في الأصل أن يكون الفعل متعدياً، وإذا قال (عمل) فإنه قد شمل بقوله اللازم والمتعدي على السواء. وهكذا فإن الفعل فيما حكاه سيبويه هاهنا، لا يمكن أن يتجاوز فاعله إلى غيره من حيث الأصل ليتعدى، وإنما يمكن أن يعمل، وقد عمل في اللفظ بعد حذف الجار، وقد كان يعمل في المعنى، لو لم يحذف. فالمنصوب بعد حذف الجار ليس مفعولاً به البتة. أما الأستاذ جواد فقد جاء بـ (سفِه) على أنه فعل لا يتعدى، فكيف يتأتى أن يكون له في الأصل مفعول به لفظياً كان أو حقيقياً، وإنما يمكن أن يقال إنه يعمل في اللفظ دون المعنى. فإذا قلت (سفِه نفسَه) فقد عمل في اللفظ، وإذا قلت (سفِه في نفسه) على الأصل، فقد عمل في المعنى.
ولكن هل في أمثلة سيبويه ما يصح أن يكون مفعولاً به في اللفظ؟
أقول قد أورد سيبويه قول تعالى (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها يوسف / ٨٢ (وقال: (إنما يريد أهل القرية، فاختصر وعمل الفعل في القرية، كما كان عاملاً في الأهل لو كان هاهنا) ، فـ (اسأل) قد عمل في (القرية) وتعدى إليها، ولكن في اللفظ، لأن المسؤول هو أهل للقرية لا القرية، ولو قيل (واسأل أهل القرية) لكان عمل الفعل في (أهل) وتعدّيه إليها، على المعنى والأصل، (القرية) إذاً مفعول به للفعل المتعدي، باللفظ. و (أهل) لو قيلت لكانت مفعولاً به على المعنى والأصل. ومما مثل به سيبويه لاستعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى قول ساعدة (كما عَسَل الطريق الثعلبُ) وكثرة النحاة على أن نصب (الطريق) وهو من الظروف المختصة إنما كان اتساعاً، على نزع الخافض. أما سيبويه فقد رأى أن (عَسَل) قد عمل في اللفظ، لا في المعنى، فمنصوبه وهو الطريق منصوب في اللفظ لا في المعنى أيضاً، لأنه على نية الجر، ولو قيل (عَسَل في الطريق الثعلبُ) لكان عمل الفعل في المعنى.