أقول: إن معنى الثلاثي لا يتعلق بدلالة حروفه وحسب وإنما يتصل بمواقع هذه الحروف بعضها من بعض، كما فصَّلنا القول فيه. وكل تقليب يغاير صاحبه في معناه بتغير مواضع حروفه. فـ (صرف) يغاير (فرص) ، ولكن قد يجمعهما جامع مشترك من دلالة، فالفرص اقتطاع وفيه فصل شيء عن أصله، والصرف عدول بالشيء عما كان فيه، ففيه فصل عن وجهته. فإذا جاء تقليب من ذلك فوافق (صرف) أو (فرص) في معناه من كل وجه، فقد جاء على غير الأصل، وقد يكون مقلوباً من أحدهما. إذ جاء (الرفصة) فعلاً بمعنى (الفرصة) . قال الجوهري:(الرفصة الماء يكون نوبة بين القوم، وهو قلب الفرصة، وهم يترافصون الماء، أي يتناوبونه) . وفي اللسان:(وترافصوا على الماء مثل تفارصوا) .
فإذا اتحد بين ثلاثيني أو أكثر الحرفان الأولان واتفق ترتيبهما تقارب المعنى، وقد مثلنا لذلك آنفاً. وثبت بهذا أن الثنائي يؤلف جنس المعنى في هذا المزيد.
وذهب الجزائري في حاشيته على خطبة الكافي أن الثنائي إذا كان في أول الثلاثي كان هذا أدعى إلى التقارب من أن يكون في آخره. فإذا فصل بين حرفي الثنائي فقد آذن هذا ببدء التباعد. قال الجزائري:(فإن التقارب بين كن وكند وكنز.. أبين من التقارب بين ركن وزكن وسكن.. والتقارب في هذه أبين من التقارب بين كمن وكان وكهن.. وإن كانت هذه الكلمات كلها متقاربة لوجود الكاف والنون فيها جميعاً. غير أن الأخيرة قد فصل فيها بين الحرفين حرف أجنبي بخلاف الأولى والثانية) .
وقد أشرنا قبل أن الثنائي الذي عليه مدار المعنى، إنما يُعرف باتحاد حرفيه واتفاق ترتيبهما، وموقعه من الحرف المزيد. وإذا كان حلول الثنائي في صدر ثلاثيين أدعى إلى تقارب المعنى في اللفظين فذلك لأنه يؤلف معناهما المشترك، فإذا ذيِّل بالحرف المزيد كان ذلك قيداً له، كما أسلفنا. وليس الأمر كذلك إذا تقدم المزيد وتأخر الثنائي أو حال المزيد بين حرفي الثنائي.