فإذا تراءى للمؤلف (المنع) في قولك (صرفته عن وجهته) فإن فيه (الإطلاق) في قولك (صرفته إلى سبيله) فهل في صرف الرجل إلى قصده أو انصرافه إلى بغيته (منع أو حبس) ؟
وأين لمنع في قولك (صرفت الدينار) إذا أخذت بدله دراهم؟ وإنما في صرف الدينار تحوّل به من حال إلى حال، وهو أصل معناه. ولا ننسَ أن (الصرف أو التصريف) قد استعمل بمعنى (الإنفاق) أيضاً، ففي المقاييس (وتصريف الدراهم في البياعات كلها: إنفاقها) . وفي المصباح (وصرفت المال أنفقته) فهل في الإنفاق غير الإطلاق وغير البسط دون القبض! وانظر إلى قول صاحب الأساس (وصرّفه في أعماله وأموره فتصرف فيها) . فصح بما ذكرنا أن (الفرص) ليس فتحاً كفتح الطريق، وأن (الصرف) ليس منعاً، وأنهما ليسا ضدين ولا متعاكسين في اتجاه.
***
ولكن كيف اتفق للمؤلف أن يرى من معاني اللفظ ومقلوبه ما لم يسنح لنا أو يخطر في بال أحد من الباحثين؟
أقول: كان المؤلف قد جرى على أن يعرض للفظ فيبسط معانيه واحداً واحداً، ويعرف لمقلوبه فينثر دلالاته واحدة واحدة، فإذا فرغ من ذلك ترصد معنى من معاني اللفظ يعاكس دلالة من دلالات المقلوب. فإذا خلص إلى هذا اعتد هذا المعنى أصلاً لمعاني اللفظ جميعاً، وهذه الدلالة أرومة لدلالات المقلوب كلها. ثم مضى بعد ذلك يتذرع بالتأويل فيستعين به على رد ما بقي من معاني اللفظ ومعاني المقلوب إلى ما اعتده هو الأصل. في كل منهما.
وقال المؤلف فيما تقدم أن (معاني كل من اللفظين تُضاد معاني الآخر في الأكثر) وليس يخلد إلى هذا بيقين كما رأيت. وأردف (وتشابه في الأقل) . وعلل ذلك فقال:(وأما التشابه فمن الحروف الواحدة فيهما) .