أقول اجتهد المؤلف في أن يجعل (صرف) ضد (فرص) فهل بلغ غايته وعاد بمصداق مقالته؟ قال المؤلف (ص/ ٨٦) : (حين ينصرف لفظ الفرصة في شكله العام لمعنى – الشقّ – الذي يستهدف فتح طريق ما، يقابله لفظ – صرف – الذي يعني وجود ما يمنع السير في هذا الطريق. وهذا التضاد بمثابة إشارة تعلن أنه سالك أو غير سالك وكأن الإشارة تقول هناك فرصة، أو هناك ما يصرف عن السير) . وأردف (ومعاني كل من اللفظين تضاد معاني الآخر في الأكثر، وتتشابه في الأقل. أما التضاد فمن طبيعة اللفظين القائمة على اختلاف الوجهتين. أما التشابه فمن الحروف الواحدة فيهما) .
ذهب المؤلف إلى أن المعنى اللازم (للفرصة) هو الشق، وفي الشق فتح كفتح الطريق. أقول ليس في اللغة ما يسدد هذا القول من قريب أو بعيد. فالفرص إذا عنى الشق قصد به شق الجلد أو نحوه. وليس في هذا فتح كالفتح الذي عناه، بل فيه قطع واقتطاع، ففي الصحاح (وقد يكون الفرص الشق، يُقال فرصت النعل إذا خرقت أذنيها للشراك) . وفي الاشتقاق (ومنهم بنو فرّاص وهو فعّال من الفرص من قولهم فرصت النعل.. إذا شققت فيها موضع الشراك، والمفراص حديدة تفرص بها/ ٢٧٤) .
أما (الفرصة) ففسحة اقتطعت كما اقتطعت (فرصة) القطن أو الصوف. ففي المقاييس (الفاء والراء والصاد: أصل صحيح يدل على اقتطاع شيء من شيء. من ذلك الفرصة القطعة من الصوف أو القطن.. ثم يُقال للنهزة فرصة لأنها خلسة، كأنها اقتطاع شيء بعجلة..) فأين هذا كله من (الشق) الذي أراد به المؤلف الفتح فتح الطريق؟
وقال المؤلف (يقابله صرف الذي يعني وجود ما يمنع السير في هذا الطريق) ، وليس في اللغة شيء من هذا، فالصرف عودُك بالشيء أي عدلك به أو تحولك به إلى غير الوجهة التي كان فيها. فكما تقول (صرفته عن وجهته) إذا حولته عنها، فإنك تقول (صرفته إلى وجهته) إذا أطلقته إليها. ففي المصباح (صرفت الأجير والصبي: خليت سبيله) .