قال مؤلف (جدلية الحرف العربي) في تحقيق مذهبه (فضدّ – غلف – هو: فلغ الكامن فيه، وعكس الحروف تأتي بعكس المعنى دائماً، وأن المؤشر يتضمن في داخله المؤشر بحكم الضرورة) ، وأردف:(والتغلف تستر والتفلُّغ – تفتح وتشقق، فالتضاد في الاتجاه مؤذن بالتضاد في المعنى، كما أوضحنا نتائج التجربة/ ٤) .
والجواب عن ذلك أننا إذا تجاوزنا في القول الجانب الفلسفي، ألفينا في الحكم بتضاد اللفظين تكلفاً. فـ (غلف) الشيء غطاه وغشاه، و (فلغ) رأسه شجه، وليس الشج والتغطية، أو الشق والتغشية ضدين في معنى أو اتجاه، إلا بتأويل. وما يقال في (لفّ) و (فلّ) يُقال في (غلف) و (فلغ) قائم على دلالة (لف) ، كما يقوم (فلغ) على دلالة (فل) . وقد زيد (الغين) في أول الثنائي تارة وفي آخره تارة أخرى. ودلالة الغين في الغالب (الغيبة والخفاء) ، كما هو الحال في (غاب وغار وغاض وغال وغام، وغمد وغمر..، وغرب وغرز، وغلف وغلق..) .
ويعلم المؤلف أن الباحثين قد سلكوا (فلغ) في طائفة من الألفاظ اتفق في تركيبها أول أحرف اللفظ وثانيها (أي فاؤه وعينه) واختلف الثالث (أي لامه) ، فقالوا:(فلج وفلح وفلع وفلغ وفلق وفلّ..) وقد تضمنت معنى الشق. وأشار إلى هذا الزمخشري في كشافه في تفسير قوله تعالى:(وأولئك هم المفلحون ((البقرة/٥) .
فللمؤلف أن يأتي لكل فعل مما ذكرنا بمقلوبه ويقيم البرهان على أنه في عكس وجهته أو معناه. فهل في اللغة أن (جلف وحلف وقلف..) مثلاً تعاكس معنى (شقّ) وفي المثل: إن دواء (الشق) أن تحوصه. والحواص الخياطة والتضييق بين الشيئين. وأتوا من هذا القبيل بـ (فرث وفرج وفرد وفرّ وفرز وفرش وفرص..) فقالوا إنها تدل على (الفصل والفرق) ، فهل جاء في الأمهات أن (جرف ورفّ وزرف وشرف وصرف) . وهي مقاليب تلك، في معنى أو وجهة تعاكس (الفصل والفرق) ؟