أما دليل الترادف أو التوارد في الثنائي ومقلوبه إذا كان أحد حرفيهما (الباء) فهو ما سقناه من ذلك آنفاً. فكبَّه قلبه وبكَّه مزقه، ولبّ أقام وبلّ المكان لزمه، وتبّ وبتّ بمعنى قطع وهكذا جب وبج وقب وبق، وصب الماء أراقه وبص الماء سال وجرى، وضب الدم سال وبض الماء رشح، وربه أصلحه وبرّه صدقه وأحسن عشرته، وسب قطع وبسّ فرق، وشب الغلام إذا نما وارتفع وشبت النار اتقدت وبشّ به أقبل عليه وبش بخير أعطى، وعبّ شرب من غير مصٍّ وبعّ صبّ في سَعة، وكذلك غبّ وبغّ، وهبت الريح نشطت وبهّ نبل ونبه) .
وقد يجيب مؤلف (جدلية الحرف العربي) عن هذا بقوله: إن (عبّ) في عكس اتجاه (بعّ) فالأول (شرب) فهو أخذ، والثاني (صبّ) فهو عطاء، وكذلك (غبّ) و (بغّ) و (صبه إذا أراقه) و (بصّ) إذا رشح، ففي الأول (سَرف) وفي الثاني (قصد) ، وهما متعاكسان، وكذلك ضبّ وبض.
على أنه إذا صح هذا بتأويل، فأي تأويل يمكن أن يسلك ما جاء من ذلك على معنى، في زمرة الأضداد.
ولا يظن ظان أننا استطعنا بما تذرّعنا به أن نحسم المسألة فنقع على معنى الثنائي ومقلوبه كلما اهتدينا إلى دلالة حرفية، فالأمر صعب الممارسة عزيز المنال. فإذا كان (لبّ) ، مثلاً، قد وافق (بلّ) في واحد من معانيه وهو (الإقامة والملازمة) فقد غايره فيما عدا ذلك. ففي (الألباب) مواجهة، وفي (التلبب) تحزّم وتشمُّر. أما في (البلّ) فثمة، غير الملازمة، نداوة وتواصل ورزق وشفاء وعافية. وتتشعب وجوه القول في تدرج المعاني. وليس في هذا ما يثبت أن (اللام) إنما تفيد (الكسر والضعف) كما تجلَّى لنا في شواهد سابقة، على أنه أجدر بمن رام أن يقضي من الأمر نهمته أن يحتمل الكلفة في موالاة البحث ويركب البلوى في اقتحامه، فلا يعتاقه عن بغيته كدّ، أو يحبسه عن لبانته صبر أو نصب.