للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاء (تمدرع وتمندل) من المدرعة والمنديل على تمفعل، كما جاء (تدرع وتندل) على تفعل. فاعتد الصحاح (تمفعل) شاذاً و (تفعل) هو القياس.

فدل هذا على أن الأصل في الاشتقاق من اسم العين المشتق إسقاط الزيادة. وأيد ذلك الرضي في شرح الشافية فاعتد (تمدرع وتمسكن وتمندل وتمغفر) قليل الاستعمال وأنه على توهم أصالة الميم فقال (والمشهور الفصيح تدرع وتسكن وتندل وتغفر) .

ولكن لِم آثر الأئمة (تدرع) على (تمدرع) ؟ أقول قد ورد السماع بإثبات الزيادة وهو الأصل، كما جاء بحذفها، وهو خلافه. فآثروا الأصل والقياس.

ولكن قد تكون ثمة دواع لغوية توجب مخالفة الأصل والأخذ بالاستعمال، لأن العمل بخاصة اللغة أولى من الانقياد لمنطق القياس. ومن ثم قال الباحثون في علم اللغة الحديث: قد يوجب الاستعمال في اللسان ما لا يسعه الوضع. وقد انتحى أئمة النحو هذا السمت ولم يغادروه حين قالوا (السماع يبطل القياس) .

وهو ما قاله ابن جني في (المنصف) . فإذا أجازوهما آثروا السماع على القياس.

وعندي أن قولك (تمدرع) بإثبات الزيادة أدنى إلى التعلق بالمعنى والحياطة له من قولك (تدرع) بحذفها، ولو ورد السماع بهما وكان الثاني هو الأصل.

ذلك أن الاستعمال يقتضي الأخذ بالزيادة ما دامت ذات دلالة، كلما أوقع إغفالها اللبس.

فانظر إلى ما قاله ابن جني في الخصائص (١/٢٣٦.ط-١٩١٣) : (وعليه جاء تمسكن وتمدرع وتمنطق وتمندل وتمخرق، وتمسلم أي صار مسلماً.. فتحملوا ما فيه تبقية الزائد مع الأصل في حال الاشتقاق، كل ذلك توفية للمعنى وحراسة له ودلالة عليه) . وأردف: (ألا تراهم إذا قالوا تدرع وتسكن، وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا، فقد عرضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم، أمن الدرع والسكن، أم من المدرعة والمسكنة، وكذلك بقية الباب) . وإلا فهل نؤثر (تسلم) على (تمسلم) إذا أضحى (مسلماً) ؟

<<  <   >  >>