وإذا صح أنهم حرصوا على إبقاء الزيادة رعاية للمعنى وتبييناً له ودرأ للبس كما ذهب إليه ابن جني، فقد بطل القول بأنهم فعلوه على توهم أصالة الميم كما ذكره الرضي وانتحاه كثير من الأئمة.
٤-اشتقاق الفعل من المصدر
تصور الأئمة اشتقاق الأفعال من المصادر كما قدروا انتزاعها من أسماء الأعيان، كما أوضحناه. لكنه إذا أمكن أن يرد الفعل إلى اسم العين والمصدر ردوه إلى المصدر. قال ابن جني في الخصائص (٢/٤٣٣) : (اشتقاق العرب من الجواهر قليل جداً والأكثر من المصدر) . وقال السيوطي في المزهر (١/٢٠٣-ط. المكتبة الأزهرية) : (والتاسع كون الأصل جوهراً والآخر عرضاً لا يصلح للمصدرية ولا شأنه أن يشتق منه، فإن الرد إلى الجوهر حينئذ أولى لأنه الأسبق، فإن كان مصدراً تعين الرد إليه لأن اشتقاق العرب من الجوهر قليل جداً والأكثر من المصادر) .
ولكن هل يعني ذهاب الأئمة إلى أن العربية قد اشتقت أفعالها من المصادر ما وجدت لأنها الأصل لديهم، والاشتقاق منها كثير، وإلا فمن الجواهر والاشتقاق منها قليل، أقول هل يعني ذلك أنهم قالوا بسبق المصادر، وهي أسماء للمعاني، للجواهر وهي أسماء للأعيان، في الوضع؟
هذا ما بدا للدكتور صبحي الصالح في كتابه (دراسات في فقه اللغة) ، فبيَّن أنه ليس من الطبيعي سبق أسماء المعاني أسماء الأعيان، كما ذهب إليه الأئمة، وأن الصواب هو العكس، وقال:(إن البداهة تقضي بوجود أسماء الأعيان المشاهدة المرئية التي تناولتها الحواس قبل أسماء المعاني. لذلك كانت الأعيان، هي أصل الاشتقاق دون المصادر.. كيف وقد امتلأت معاجمنا وكتبنا اللغوية بما لا يحصى من الجواهر التي تفرعت عنها الصفات والأحوال والمصادر والأفعال/١٩٩) .
والذي عندي أن الأئمة لم يقولوا بسبق أسماء المعاني أسماء الأعيان.