للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما يتصل بالاشتقاق عامة، الاشتقاق من المعرب. فقد قضوا ألا يشتق لعربي من أعجمي كما لا يشتق لأعجمي من عربي. فقد جاء في المزهر (١/١٦٨-ط. المكتبة الأزهرية) : (سئل بعض العلماء عما عربته العرب من اللغات واستعملته في كلامها، هل يعطى حكم كلامها فيشتق ويشتق منه؟) . وقد أجاب بما نصه (.. فقول السائل يشتق جوابه المنع. ومحال أن يشتق العجمي من العربي أو العربي منه. لأن اللغات لا تشتق الواحدة منها من الأخرى، مواضعة كانت في الأصل أو إلهاماً. وإنما يشتق في اللغة الواحدة بعضها من بعض. لأن الاشتقاق نتاج وتوليد. ومحال أن تنتج النوق إلا حوراناً وتلد المرأة إلا إنساناً) .

فمنع أن يكون اشتقاق بين عربي وعجمي، لكنه أردف مستدركاً فقال: (وقول السائل ويشتق منه، فقد لعمري يجرى على هذا الضرب، المجرى مجرى العربي، كثير من الأحكام الجارية على العربي من تصرف فيه، واشتقاق منه) . فأوضح أن مما عربته العرب ما أخضع لأحكام العربية فتصرف فيه واشتق منه. وهذا موضع أوجبه الاستعمال واقتضاه عرف اللغات. ولا بدع إذا تجاوزت لغتان من فصيلتين أن تقبس كل من الأخرى فتسيغ ما نقل إليها وتؤلفه فتخضعه لأصولها وتدخله في بنيتها فيغيب في نسجها. ويحتفظ كل من اللغتين بقواعد فصيلته الأصلية. وإلا فهل يعقل أن يستملح لفظ أجنبي ويقتنص فيدخل في مفردات لغة فيسلك في بنيتها، ثم يجمد فلا يصقله الاستعمال ويجريه المجرى الذي يقتضيه اشتقاقاً وتصريفاً.

<<  <   >  >>