الجواب عن هذا أن اسم المصدر في جمعه كالمصدر، كلاهما في هذا الباب شرع واحد. فاسم المصدر لا يجمع ما دل على حدث الفعل وجنسه. فإذا جمع فقد فارق حدث فعله أو جنسه، وأريد به مجرد الاسمية معنى أو ذاتاً. فانظر إلى ما جاء في شرح ديوان الحماسة (١١٧٧) ، قال المرزوقي:(وقال آخر:
رأيت اليتامى لا تسدّ فقورهم هدايا لهم في كل قعبٍ مشعب
وجمع الفقور لاختلاف وجوهها) . فقد جمع الشاعر (الفقر) على (الفقور) وعلل المرزوقي جواز جمعه باختلاف وجوهه، كما علل لذلك في جمع المصادر. والفقر اسم مصدر. قال صاحب المصباح (الفقير فعيل بمعنى فاعل، قال ابن السرّاج، لم يقولوا فقُر بالضم، استغنوا عنه بافتقر. والفقر بالفتح والضمّ لغة، اسم منه) فالفقر إذن اسم مصدر من الافتقار، وهو دال على الحدث وجنسه مالم يُجمع. قال الشاعر:
ويعجبني فقري إليك ولم يكن ليعجبني، لولا محبتك الفقرا
وقد استشهد به صاحب المفردات فقال:(الرابع الفقر إلى الله المشار إليه بقوله: (اللهمّ أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك) ، وإياه عني بقوله:(إني لما أنزلت إلي من خير، فقير. وبهذا ألمّ الشاعر فقال: ويعجبني فقري إليك....) .
فالفقر حين جمعه الشارع فقال:(لا تسدّ فقورهم) ، قد عنى به الحاجة فأفقده حدثه وجنسه، ولو أراد به قيام الحاجة وحدثها كما جاء في قول الشاعر (فقري إليك) لامتنع من جمعه. قال الجوهري في صحاحه (وأفقره الله من الفقر فافتقر ويقال سد الله مفاقره أي أغناه وشد وجوه فقره، وقولهم فلان ما أفقره وما أغناه شاذ لأنه يقال في فعليهما افتقر واستغنى فلا يصح التعجب منهما) . وفي النهاية (المفاقر جمع فقر على غير قياس، كالمشابه والملامح ... ) ، وقد رأيت أن ثمة من جمع الفقر على فقور.