والذي أصارهم إلى هذه التسمية أنهم لا يعتدون الفاعل فاعلاً ما لم يكن فاعلاً بمعناه، والمفعول به مفعولاً به ما لم يكن مفعولاً به بمعناه أيضاً. فإذا قالوا هو فاعل لفظاً فقد قصدوا أنه فاعل معنى ولفظاً، أو قالوا هو مفعول به لفظاً عنوا أنه مفعول به معنى ولفظاً. أما إذا كان الاسم فاعلاً معنى أو ضمناً ولم يرفع، أو مفعولاً به معنى أو ضمناً ولم ينصب، فقد وصفوه بالفاعل معنى أو ضمناً، والمفعول به معنى أو ضمناً، ويبدو الاصطلاح معاكساً لما عوّل عليه جواد.
إحجاف جواد بحق ابن جني
بقي أن نشير إلى أن الأستاذ جواداً لم يجحف بحق النحاة بعامة وحسب، بل ندد بابن جني بخاصة وتنقصه بكلام لم يرزق حظه من التثبت فلم يخل من استطالة واجتراء. ونحن لا نقول أن اتباع الأيمة في مثل هذا الباب أسوغ وأسلم، لأنهم (أهل هذا الشأن وأرباب هذه الصناعة) . ولكننا نرى أن حسن الظن بهؤلاء وبأمثال ابن جني من أصحاب التحقيق، قبل التصدي لتخطئتهم أليق وأجدى، وأن تَبَيّنَ كلامِهم واستشفافَ مراميه ومغازيه، قبل التسويء عليهم أجدى وأحجى وأعدل. فقد رأيت فيما فصلناه أن النحاة قد أتوا، فيما عرض له الأستاذ جواد، بما أتى به وسبقوه إليه بالنص واللفظ بعضاً، وبالمعنى والقصد، دون الاصطلاح، بعضاً آخر.