للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول إذا ثبت أن (تساهل) من غير أفعال المشاركة، كما مرَّ فيما استشهد به جواد، فلا يمنع ذلك أن يأتي من أفعال المشاركة، فقد جاء في الأساس: "تساهل الأمر عليه ضد تعاسر عليه". ومعنى ذلك أن تساهل الأمر عليه كسهل الأمر عليه، بضم الهاء، أو تسهل عليه بتشديد الهاء. وأن تعاسر الأمر عليه كعسر بضم السين وتعسر بتشديدها. فيكون (تساهل وتعاسر) ، ها هنا من غير أفعال المشاركة. وجاء قول الأئمة (تساهل فلان على فلان) ، إذا استعمل معه السهولة، كما جاء قولهم (تعاسر فلان على فلان) ، إذا استعمل معه الصعوبة، فيكون هذا من قبيل المجاز، كما كان الإغماض عن كذا أو التغميض عنه بمعنى الإغضاء والتسامح والتجاوز من قبيل المجاز أيضاً. ولم يمنع هذا أن يكون (تساهل) من أفعال المشاركة في موضع آخر، ولو كان من أفعال غير المشاركة دوماً، لما صح أن تقول ساهل بعضهم بعضاً فتساهلوا فيما بينهم.

ومن الطريف أن نشير إلى أن (التعاسر) كالتساهل من أفعال المشاركة ومن سواها. فأنت تقول عاسر بعضهم بعضاً فتعاسروا، كما تقول ياسر بعضهم بعضاً فتياسروا، فالتعاسر ضد التياسر، والمعاسرة خلاف المياسرة. قال تعالى: ?ائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى?. [الطلاق ـ ٦] . فقد جاء في تفسير الجلالين: "إن تضايقتم في الإرضاع فامتنع الأب من الأجرة والأم من فعله، فسترضع له أخرى"، فجعل التعاسر من جهتي الاب والأم معاً، من الأب بامتناعه من الأجرة، ومن الأم في الحين نفسه بإمساكها عن الإرضاع، فدل بذلك أن التعاسر من أفعال المشاركة.

بقي الكلام على ما يتساءل عنه الكتاب، وهو إمكان استعمال أداة المصاحبة (مع) في أفعال المشاركة بإحلالها محل العاطف، كقولك تبارى فلان مع فلان، بدلاً من قولك تبارى فلان وفلان.

<<  <   >  >>