فثبت بهذا أن الفعل يصرّف في وجوه عدة بقدر من حروف الجر أطرد تصريفها فيها. وقد أحاطت كتب اللغة بوجوده تصريف كل حرف فاستعمل فيها، على جهة القياس والاطراد. تقول في تصريف (أجاب) : (أجبت في الكتاب، وبالكتاب، وأجبت عنك، وعلى ورقة بيضاء، ولأمر مهم، وعن الأسئلة، من أولها إلى آخرها) . كما أحاطت المعجمات بتصريف الأفعال في معانيها فنصَّت على تعديتها بحروف لا يتحكم بها قياس ظاهر، كقولك (أعنتك على عدوك، وتدربت على العمل، وحزنت عليه وغضبت، وحسدتك على كذا، وتوفرت على صاحبي، وارتحت إليه، واعتذرت إليه، وأنست به ورغبت على كذا، وتوفرت على صاحبي، وارتحت إليه، واعتذرت إليه، وأنست به ورغبت فيه) وهكذا. فإذا جمعت القياس في استعمال هذه الحروف على ما نصت عليه كتب اللغة عامة، إلى السماع فيما نصت عليه المعجمات خاصة، أقول إذا ضممت يدك على هذا وذاك، كان لابد من أن تلحظ أن تصريف الفعل بحرف من الحروف إنما يفرده بمعنى لا يؤديه تصريفه حرف آخر، وإن داناه أحياناً، لأن لكل حرف وجهة اختص بها دون سواه.
لكل حرف وجهة خاصة:
يقول أبو البقاء الكفوي في كلياته فيما نحن بسبيله (الفعل المتعدي بالحروف المتعددة لابد من أن يكون له مع كل حرف معنى زائد على معنى الحرف الآخر، وهذا بحسب اختلاف معاني الحروف. فإن ظهر اختلاف الحرفين ظهر الفرق نحو رغبت فيه وعنه، وعدلت إليه وعنه، وملت إليه وعنه، وسعيت إليه وبه. وإن تقارب معاني الأدوات عسر الفرق، نحو قصدت إليه وله، وهديت إلى كذا ولكذا. فالنحاة يجعلون أحد الحرفين بمعنى الآخر. أما فقهاء أهل العربية فلا يرتضون هذه الطريقة بل يجعلون للفعل معنى مع الحرف ومعنى مع غيره، فينظرون إلى الحرف وما يستدعي من الأفعال، وهذه طريقة إمام الصناعة: سيبويه) . وأبو البقاء من تعلم تبسطاً في العربية واستبحاراً وإيغالاً في البحث، وسعة إطلاع.