أقول: ومن هنا إطباق العلماء والنحاة والكتاب قديماً على هذه التعدية. فقد جاء في مقدمة كتاب كليلة ودمنة (وينبغي للناظر في هذا الكتاب أن يعلم أنه ينقسم إلى أربعة أغراض: أحدها ما قصد فيه إلى وضعه على ألسنة البهائم..) قال هذا لأن الكتاب في الأصل جملة مسائل تُبحث وأغراض تُشرح وقال الجاحظ في بعض رسائله (الخاصة: (وقد تنقسم المودة إلى ثلاث منازل: منها ما يكون عن اهتزاز الأريحية وطبع الحرية..) ، وقال صاحب الكليات أبو البقاء (٤١١) : (لسان العرب ينقسم إلى ما لا يقاس ... وإلى ما يطرد فيه القياس، وأن ما يجري فيه قياس مقرون بالسماع) .
الأصل في تعدية (قسم) بعلى:
والأصل في استعمال (على) مع الفعل ها هنا، أن يكون (المقسوم) غير (المقسوم) عليه كما في قولك (قسمت الغنيمة على أربابها) أو (قسمت الصدقة على الضعفاء) . فالغنيمة غير الأرباب والصدقة غير الضغفاء. ومن ذلك قول المرزوقي في مقدمة شرح الحماسة (وكان اللفظ مقسوماً على رتب المعاني، قد جُعل الأخصّ للأخص، والأخسّ للأخس) .
والأصل في أعمال (إلى) إن يكون (المقسوم إليه) هو (المقسوم) نفسه، كما في قولك (انقسم الناس إلى ثلاثة أصناف) ، أي انتهوا في القسمة أو آلوا إلى هذه الأصناف. ولكن يصح أن تحلّ (على) محل (إلى) فتقول (قسمت كتابي على ثلاثة أبواب) أي فرقت ما فيه وجزّأته ثلاثة أجزاء فجعلت كل جزء من الأجزاء في باب من الأبواب وخصصته به، كأن الباب غير الكتاب. ولا يصحّ أن تحل (إلى) محل (على) في مثل قولك (قسمت الميراث على الورثة) لأن فحواه أنك قسمت الميراث أنصبَة كعدد الوارثين وجعلت لكل نصيبه، ولا يمكن أن تؤدي (إلى) هذا المؤدى لأنها لمجرد الإشارة إلى ما آلت إليه القسمة من أجزاء، فاستعمال (على) هو المراد من قسمة الميراث دون (إلى) وهو ألصق بالمعنى وأوفى بالغرض.