وهكذا ما مرَّ بك من قول الجاحظ (كنفس قُسمت على جسمين) فإن معناه (كنفس شُطرت بين جسمين) فكان لكل جسم من هذه النفس شطر ونصيب. وهذا موضع (على) لا موضع (إلى) ، ولو قلت:(كنفس قسِّمت إلى قسمين) لم يستقم المعنى الذي أردت.
متى تصح تعدية (قسم) بإلى، ومتى تصح بعلى:
كلما صح قولك (قسمت الشيء قسمين أو ثلاثة) وهو أصل التعبير، على حدّ ما جاء في الحديث (ستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة) ، جاز قولك (قسمته إلى قسمين أو ثلاثة) أو (قسمته على قسمين أو ثلاثة) . وكلما ساغ أن تقول (قسمت الشيء بينهما، أو بين هذه الأشياء أو بين هؤلاء) كقول علي عليه السلام في نهج البلاغة (٢ / ١٨٥)(فقسم بينهم معايشهم) وهو أصل التعبير عن هذا المعنى، استقام قولك (قسمت الشيء عليهما أو على هذه الأشياء أو على هؤلاء) ولم يُغنِ قولك (قسمت الشيء إليهما أو إليها أو إليهم) .
شواهد تبرز الغرض من تعدية الأفعال بإلى، كما عدّي (قسم) :
من أمثلة ما عُدِّي بـ (إلى) لانتهاء الغاية، كما عُدَّي (قسم) ، أي لانتهاء فاعل الفعل أو ما ينوب منابه إلى غاية، تعدية (سهَّل وأبدل وقلب وتقلَّب وانقلب وانفصل..) . تقول (سهَّل الشيء إلى كذا) أي سهله فانتهى بالتسهيل إليه، و (أبدله إلى كذا) أي أبدله فانتهى بالإبدال إليه، كما كان (قسمه إلى كذا) بمعنى (قسمه فانتهى بالقسمة إلى كذا..) .
قال صاحب المصباح في مقدمته (وإن وقعت الهمزة عيناً وانكسر ما قبلها جعلت مكان الياء لأنها ـ تسهِّل إليها ـ نحو البئر والذئب) .
وقال ابن جني (٢ / ٩) : (وأبدل إلى الهمز حرفاً لاحظّ في الهمز له، بضدِّ ما يجب لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما) ، وأردف (فكيف يقلب إلى الهمز قلباً ساذجاً عن غير صنعة ما لاحظ له من الهمز) .