فإذا كان (تعرّض له) كـ (أعرض له) ، فما الذي يعنيه قولك، على المجاز، (أعرض فلان للمكروه) ؟ إنه يعني أنه أبدى (عرضه) بالضم للمكروه فأمكنه منه، كأعور الشيء إذا أبدى عورته. فالمعرض أو المعور هو الذي أمكن آخر من عُرضه بالضم أو عورته فغدا له هدفاً وغرضاً. ففي الأساس:(أعرض لك الصيد فأرمه، وهو مُعرض لك) وفيه (وقد أعور لك الصيدُ وأعورك: أمكنك) فغدا هدفاً لك. هذا إذا كان الشيء هو المعرض أو المعور، فإذا كان المرء كما مثلنا هو المعرض أو المعور غدا هو الغرض والهدف. فقولك? أعرض فلان للمكروه) معناه أمكن المكروه من نفسه وكذا المتعرض فقولك (تعرض فلان للتلف) مثلاً مؤداه أنه أمكن التلف من نفسه فغدا غرضاً له. وهذا ما عناه الكتَّاب حين جرت أقلامهم به، ونطقت ألسنة الأيمة على منهاجه وطبعت على غراره.
أمثلة من كلام الفصحاء تشهد بصحة ما أنكره جواد:
وهذه طائفة من أقوال أصحاب البيان وفصحاء القوم تشهد بأن ما ذكره الأستاذ جواد، على أنه مخالف لواقع اللغة، إنما هو من طرائق اللغة وأساليب، بل تقيم الدليل على سداد ما ذهبنا إليه وتنسخ عنه كل شك. فقد جاء في نهج البلاغة (٢ / ١٥١) : (فكم خصكم بنعمة، وتدارككم برحمة. أعورتم له فستركم، وتعرضتم لأخذه فأمهلكم) . قال الشارح:(أعورتم له أي ظهرت عوراتكم وعيوبكم، وتعرَّضتم لأخذه أي يأخذكم بالعقاب) . ففحواه إذاً: أبديتم عوراتكم فستركم وعرّضتم أنفسكم لعقابه فأمهلكم) .
وفي كليلة ودمنة:(فإذا اجتمع عليه هذان الصنِّفان فقد تعرَّض للهلاك ـ باب الأسد وابن آوى) وفيه (والرجل الأرمد العين إذا استقبل بها الريح، تعرّض لأن تزداد رمداً ـ باب الملك والطائر) وقال أبو حيان التوحيدي في كتابه (أخلاق الوزيرين) : (والله، للخروج من الطارف والتليد أسهل من التعرّض لهذا القول والصبر عليه وقلة الاكتراث به / ٩٠) قال هذا، في اليزيدي هجاه شاعرٌ هجاء مرّاً.