وقال المرزوقي في شرح الحماسة (٧٨٩) : (حتى كان يترك السفر واكتساب الأحدوثة بما يُمتهن فيه، ويتعرض من أجله للتلف) . قال فيه (٧٣٨) : (أما تخافون أن يحق عليكم العذاب إذا استهنتم بالوعيد.. وتعرضتم لسخط الله عز وجل، في تجاوز مأموره) . وقال (٨٠) : (وأما قتلٌ، وهو بالحرِّ أجدر من التعرض لما يُخزيه ويُكسبه الذل) . وقال (٨١٦) : (وابتذاله النفس وتعرضه للحتف) ، والحتف: الهلاك.
وقال ابن جني في الخصائص (٤٧٠) : (وإنما وجب أن يرتَّب هذا العمل هذا الترتيب من قبل أنك لمَّا كرهت الواو هنا لما تتعرض له من الكسرة والياء) ، وقال في المحتسب (١ / ١٧٩) : (والفضلة متعرّضة للحذف والبذلة) . وقال فيه (١ / ٢٤٣) : (إن الفَعلة واحدة من جنسها، والواحد مُعرَّض للتثنية والجمع) ، أفرأيت كيف جعل (متعرضة) من تعرّض له. كـ (معرَّضة) من عُرِّض له، فأنزلهما في المعنى منزلة واحدة.
خلاصة القول في معنى (تعرّض له) :
فاستبان بما تقدم أن (تعرض له) كـ (عُرّض له) أو (أعرض له) ، من قولك عرّضته لكذا فتعرض له، فيكون (تعرّض) هذا من قبيل (تفعل) الذي يدل على المطاوعة نحو حذَّرته فتحذر ونبّهته فتبَّنبَّه وعزَّيته فتعزّى، وقد أنكره الأستاذ جواد بلا بيِّنه وأباه بلا سلطان. ويأتي (تعرَّض له) بهذا المعنى كلما ابتغاك الشيء فجعلك غرضاً له، نحو قولك (تركت السفر الطويل مخافة التعرض للمرض) . أما إذا ابتغيت الشيء وعزمت على طلبه كان (تعرّض له) كـ (تصدّى له) . ويكون (تعرض) هذا من قبيل (تفعَّل) الذي يدل على تكلف الفاعل بإصرار كتتبع وتقصَّي وتحرَّى، وذلك كقولك (ينبغي للمرء أن يتعرض لأسباب المرض فيعالجها ويحاول أن يتَّقيها) .