للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي زعم أنها في الردة بعد موت النبي ، ورمى الصحابة بذلك، لم يقل ما قال، ولكان في ستر من هذه الفضيحة، التي تشهد بجهله وتقوله على الله بلا علم ولا بصيرة، وذلك أن هذه الآية نزلت يوم أحد، عندما أصاب المسلمين ما أصابهم، وشج رسول الله ، وكسرت رباعيته، وشاع في الناس أن الرسول قتل، فقال بعض المنافقين: إن محمداً قد قتل فالحقوا بدينكم الأول فنزلت هذه الآية.

روى الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾ (١) ، «ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق، قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله ، وشج فوق حاجبه، وكسرت رباعيته، قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول، فذلك قوله: ﴿أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ » . (٢)

وروى أيضاً عن ابن جريج قال: «قال أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي : قد قتل محمد، فالحقوا بدينكم

الأول فنزلت هذه الآية» . (٣)

فالمقصود بالانقلاب على الأعقاب في الآية هو: ما قاله المنافقون لما أُشيع في الناس أن رسول الله قتل، وهو قولهم: ارجعوا إلى دينكم الأول. ولم تكن هذه الآية فيمن ارتد بعد موت النبي وإن كانت هي حجة عليهم، مع أنها لو كانت فيمن ارتد بعد موت النبي لكانت أظهر في الدلالة على براءة أصحاب النبي من المرتدين، فإنهم هم الذين قاتلوهم، وأظهر الله دينه على أيديهم، وخذل المرتدين بحربهم لهم، فرجع منهم من رجع إلى الدين، وهلك من هلك على ردته، وظهر فضل الصديق والصحابة بمقاتلتهم لهم.

ولهذا ثبت عن علي أنه كان يقول في قوله تعالى: ﴿وسيجزي


(١) سورة آل عمران من الآية ١٤٤.
(٢) تفسير الطبري ٣/٤٥٨.
(٣) تفسير الطبري ٣/٤٥٨.

<<  <   >  >>