للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على اتفاق الصحابة على استخلافه، وأنهم كانوا يرون أنه أولى الناس بذلك (١)، وقد كان ابن عمر من أعيان الصحابة وكبارهم، وممن لا يغفل له رأي لو كان مخالفاً، ولا نتشر ذلك بين الناس، ونقلته المصادر. وإنما الذي حصل: أن بيعة علي كانت في وقت فتنة وتفرق بين الناس، بسبب مقتل عثمان فتريث بعض الصحابة

-ومنهم ابن عمر- في البيعة وقالوا لا نبايع حتى يبايع الناس على ماروى ذلك الطبري في تأريخه من طريق أبي مليح في خبر البيعة لعلي وفيه: «وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار

وطاق (٢)، وعمامة خزّ، ونعلاه في يده، متوكئاً على قوس فبايعه الناس، وجاءوا بسعد فقال علي: بايع، قال لا أبايع حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس، قال: خلوا سبيله، وجاءوا بابن عمر فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس، قال: ائتني بحميل (٣)، قال: لا أرى حميلاً، قال: الأشتر؛ خلِّ عني أضرب عنقه، قال عليّ: دعوه أنا حميله». (٤)

وقد كان هذا التوقف من سعد وابن عمر في البيعة لعلي في بداية الأمر. ثم إنهما بايعا بعد ذلك، بعدما اجتمع الناس على عليّ، فقد كان هذا شرطهما، وهذا من تمام فقههما فإنهما لو بايعا علياً وبايع الناس غيره لتبعهما في بيعتهما خلق كثير، ولتفرق الناس افتراقاً عظيماً. ومما يدل على بيعتهما بعد ذلك ما نقله ابن كثير في سياق أحداث البيعة لعلي حيث قال: «فرجعوا إلى علي فألحوا عليه، وأخذ الأشتر بيده فبايعه وبايعه الناس وذلك يوم الخميس الرابع والعشرون من ذي الحجة، وذلك بعد

مراجعة الناس لهم في ذلك وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي، فلما كان


(١) انظر: ص ٢٣٤ من هذا الكتاب.
(٢) الطاق: قال ابن الأعرابي هو: الطيلسان، وقيل: الطيلسان الأخضر، لسان العرب لابن منظور ١٠/ ٢٣٣.
(٣) الحميل: هو الكفيل ومنه الحديث: (الحميل غارم) أي: الكفيل ضامن، لسان العرب ١١/ ١٨٠.
(٤) تأريخ الطبري ٤/ ٤٢٨.

<<  <   >  >>