للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دونهم من الصحابة، وإنما كان يستفتيه المستفتي كما يستفتي أمثاله من الصحابة». (١)

وأما قول أبي بكر: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم)، فتلك منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق

تدل على عظيم ورعه، وكمال احتياطه لدينه، ولهذا ذكر العلماء المحققون أنه لا يعرف لأبي بكر مسألة واحدة أخطأ فيها، بخلاف غيره من الصحابة فإنهم يجتهدون فيصيبون تارة ويخطئون تارة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسألة من الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيره مسائل كثيرة». (٢)

ويستطرد مبيناً فضله في العلم على غيره من الصحابة، وما رفع الله على يديه من الاختلاف بين الصحابة: «وقد تنازعت الصحابة بعده في مسائل، مثل: الجد، والإخوة، ومثل العمرتين، ومثل العول، وغير ذلك من مسائل الفرائض، وتنازعوا في مسائل الحرام، والطلاق الثلاث،

بكلمة، والخليّة والبريّة (٣) والبتّه (٤) وغير ذلك من مسائل الطلاق.

وكذلك تنازعوا في مسائل صارت مسائل نزاع بين الأمة إلى اليوم، وكان تنازعهم في خلافة عمر، نزاع في اجتهاد محض كل منهم يقر صاحبه على اجتهاده، كتنازع الفقهاء أهل العلم والدين، وأما في خلافة عثمان فقوي النزاع في بعض الأمور، حتى صار يحصل كلام غليظ من بعضهم لبعض، ولكن لم يقاتل بعضهم بعضاً باليد ولابسيف ولا غيره.

وأما في خلافة علي فتغلظ النزاع، حتى تقاتلوا بالسيوف.


(١) منهاج السنة ٨/ ٥٧ - ٥٨.
(٢) منهاج السنة ٥/ ٤٩٧.
(٣) من كنايات الطلاق جاء في اللسان: «الخليّة: كلمة تطلَّق بها المرأة يقال لها: أنت بَريَّة، وخليّة. كناية عن الطلاق» لسان العرب لابن منظور ١٤/ ٢٤١.
(٤) هو طلاق المرأة ثلاثاً، انظر: مختار الصحاح للرازي ص ١٦.

<<  <   >  >>