للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما طعنه في خالد بقتله بني جذيمة وبراءة الرسول من فعله.

فجوابه: أن خالداً قتلهم متأولاً وذلك أنه لما دعاهم إلى الإسلام قالوا: صبأنا صبأنا، ومعنى: صبأنا: أي انتقلنا من دين إلى دين، وقد كانت قريش تطلق على من أسلم أنه صابئ على سبيل الذم (١)، فلم يقبل خالد منهم ذلك حيث لم يصرحوا بالإسلام، في حين أن بعض من كان معه من الصحابة كابن عمر وغيره أنكروا عليه، لأنهم عرفوا أنهم أرادوا الإسلام، ولذا قال ابن عمر راوي الحديث (فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا) (٢) وقد كان خالد متأولاً في قلتهم، غير مذموم بفعله، وإن كان مخطئاً فيه.

قال الخطابي: «يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع على سبيل الأنفة، ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولاً». (٣)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عن هذه الحادثة: «فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فلم يقبل ذلك

منهم، وقال: إن هذا ليس بإسلام، فقتلهم، فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة: كسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولما بلغ ذلك النبي رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) لأنه خاف أن يطالبه الله بما جرى عليهم من العدوان

ومع هذا فالنبي لم يعزل خالداً عن الإمارة، بل مازال يؤمرُه ويقدمه، لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ذلك، وأُقرّ على ولايته، ولم يكن خالد معانداً للنبي ، بل كان مطيعاً له، ولكن لم


(١) انظر: فتح الباري ٨/ ٥٧.
(٢) أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى جذيمة)، فتح الباري ٨/ ٥٦ - ٥٧، ح ٤٣٣٩.
(٣) فتح الباري لابن حجر ٨/ ٥٧.

<<  <   >  >>