ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً، فلا لوم على من قال
به، وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم
ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصحلة للمسلمين، لا في دينهم، ولا في دنياهم، بل نقص الخير عما كان، وزاد الشر على ما كان.
فإذا كان مثل هذا الرأي لا يعاب به، فرأي عمر وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أولى أن لا يعاب، مع أن علياً شركهم في هذا الرأي وامتاز برأيه في الدماء
وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي المسائل التي تركت
من قول علي وابن مسعود فبلغت شيئاً كثيراً، وكثير منها قد جاءت السنة بخلافه كالمتوفى عنها الحامل، فإن مذهب علي ﵁ أنها تعتد أبعد الأجلين، وبذلك أفتى أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي ﷺ فلما جاءته سبيعة الأسلمية وذكرت ذلك له قال:(كذب أبوالسنابل بل حللت فانكحي من شئت)(١) وكا زوجها قد توفي عنها بمكة في حجة الوادع.
فإن كان القول بالرأي ذنباً فذنب غير عمر -كعلي وغيره- أعظم، فإن ذنب من استحل دماء المسلمين برأي، هو ذنب أعظم من ذنب من حكم في قضية جزئية برأيه، وإن كان منه ما هو صواب، ومنه ما هو خطأ فعمر ﵁ أسعد بالصواب من غيره، فإن الصواب في رأيه أكثر منه في رأي غيره، والخطأ في رأي غيره أكثر منه في رأيه، وإن كان الرأي كله صواباً فالصواب الذي مصلحته أعظم، هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته دون ذلك، وآراء عمر ﵁ كانت مصالحها أعظم للمسلمين.
فعلى كل تقدير: عمر فوق القائلين بالرأي من الصحابة فيما يحمد، وهو أخف منهم فيما يذم، ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن
(١) أخرجه البخاري بغير هذا اللفظ في: (كتاب المغازي، باب ١٠)، فتح الباري ٧/ ٣١٠، ح ٣٩٩١، ومسلم: (كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل) ٢/ ١١٢٢، ح ١٤٨٤.