ومن المراثي المستحسنة المقدمة ونحتاج أن نذكر معها خبرها وهو أن مالك بن زهير بن رواحة بن جذيمة العبسي وكان من أشراف بني عبس، وجذيمة منهم قتل في حرب داحس. وكان جانيها أخوه قيس بن زهير، فنشبت بينهم فيما ذكر أربعين سنة. وتشاءم بهم قومهم، فوجه قيس جاريته لتعلم ما عند الربيع بن زياد العبسي أيغضب لهذا الحديث فيقوى به أو يستهين، فرأت عنده أكثر مما أحب، فرجعت إليه فقالت: سمعت عويلاً منه دون نسائه وحركةً أكثر من حركة جميع الحي، وهو يقول: الكامل
منع الرّقاد فما أغمّض حار ... جللٌ من النّما المهمّ السّاري
من مثله تمسي النّساء حواسراً ... فتقوم معولةً مع الأسحار
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
تأويل هذا البيت أنه إذا رأى ما يضع عليه من الجزع، علم أن ثأر مثله لا يترك.
يجد النّساء حواسراً يندبنه ... يضربن أوجههنّ بالأسحار
يخمشن حرّ وجوههنّ على فتىً ... سهل الخليقة طيّب الأخبار
قد كنّ يكننّ الوجوه تستّراً ... فالآن حين بدون للنّظار