٦٨٢٠ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قثنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قثنا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا غُلَامٌ حَدَثٌ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْدِمُهُ وَآكُلُ مَعَهُ مِنْ طَعَامِهِ، فَقَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهَا ⦗٣٠٢⦘ يَوْمَئِذٍ خَمْسُونَ شَاةً مَا تُرْوِيهَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَعَدَ عَلَى جَبَاهَا، قَالَ: فَإِمَّا بَسَقَ فِيهَا، وَإِمَّا دَعَا فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ، ثُمَّ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَايَعَنَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُنِي؟» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، قَالَ: «وَأَيْضًا» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا سَلَمَةُ أَمَا لَكَ جُنَّةٌ؟» ، فَأَعْطَانِي جَحَفَةً، أَوْ قَالَ دَرَقَةً ثُمَّ بَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ، قَالَ: «يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُنِي؟» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ بَايَعْتُكَ أَوَّلَ النَّاسِ وَفِي أَوْسَطِهِمْ، قَالَ: «وَأَيْضًا» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا سَلَمَةُ أَيْنَ جَحَفَتُكَ؟» أَوْ قَالَ: «دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتُهَا عَمِّي عَامِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَعْزَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحِكَ: " إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ ابْغِنِي حَبِيبًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي "، ثُمَّ إِنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ صُلْحٌ حَتَّى تَمَشَّتْ بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ، واخْتَلَطْنَا، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَةَ فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، ثُمَّ نَزَلْتُ فِي ظِلِّهَا ثُمَّ اضْطَجَعْتُ، وَوَضَعْتُ سِلَاحِي، فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَتَمَاشَوْنَ فَجَلَسُوا إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْغَضْتُهُمْ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، فَمَا عَدَا أَنْ وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ، وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي يَا لَلْمُهَاجِرِينَ: قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ، قَالَ: فَأَشُدُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَقِفُ عَلَى رُؤُسِهِمْ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُدُّ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَى سِلَاحِهِ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، ثُمَّ ضَمَمْتُ سِلَاحَهُمْ، وَسُقْتُهُمْ بِسَيْفِي حَتَّى آتِيَ بِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِمِكْرَزٍ أَوِ ابْنِ مِكْرَزٍ، رَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ يَقُودُ بِهِ فَرَسَهُ مُتَسَلِّحًا فِي سَبْعِينَ رَجُلًا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ذَرُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ» ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةَ، فَمَرَرْنَا عَلَى جَبَلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ طَلَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَأُطْلِعْتُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَخَرَجْتُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُلَامِ ⦗٣٠٣⦘ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ إِذَا نَحْنُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ قَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَتَلُوا رَاعِيَهَا، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ ارْكَبْ هَذَا الْفَرَسَ، فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ وَقَتَلُوا رَاعِيَهُ، قَالَ: وَأَشْرَقْتُ شَرْقًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ نَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا صَبَاحَاهُ ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، وَأَقُولُ:
[البحر الرجز]
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
وَأَهْوَى لِرَجُلٍ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَأَضَعُهُ فِي بَعْضِ الْكَتِفِ، ثُمَّ قُلْتُ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَلَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، فَإِذَا حَمَلُوا عَلَيَّ لَجَأْتُ إِلَى شَجَرَةٍ، ثُمَّ نَثَرْتُ نَبْلِي فَعَقِرْتُ بِهِمْ، وَإِذَا تَضَايَقَ الْوَادِي عَلَوْتُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَحْرَزْتُ الظَّهْرَ الَّذِي أَخَذُوا كُلَّهُ، وَأَخَذْتُ مِنْ مُشَاتَهُمْ سِوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَطَرَحُونَهَا لَا أَضُمَّ مِنْهَا شَيْئًا ثَمَّةَ إِلَّا جَعَلْتُهُ طَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَجَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً عَلَامَةً لِيَعْرِفُوا، فَلَمَّا امْتَدَّ الضُّحَى إِذَا عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ أَتَاهُمْ مَدَدًا، فَنَزَلُوا يَتَضَحَّوْنَ، وَعَلَوْتُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ فَقَعَدْتُ فَنَظَرَ إِلَيَّ عُيَيْنَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟، قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبُرَحَاءَ مَا فَارَقَنَا بِغَلَسٍ حَتَّى هَذَا مَكَانُهُ، قَالَ: أَفَلَا يَقُومُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، فَقَامَ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ فَسَنَدُوا إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنِّي، قُلْتُ: أَتَعْرِفُونِي أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيَلْحَقُنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتُنِي، قَالُوا: إِنَّا نَظُنُّ فَرَجَعُوا، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِفَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَانْحَدَرْتُ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَعْرَضَ الْأَخْرَمُ وَهُوَ أَوَّلُ الْقَوْمِ فَآخُذُ بِعِنَانِ فَرَسِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَخْرَمُ: أَتَذَرُ الْقَوْمَ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ؟، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ فَتَرَكْتُهُ ⦗٣٠٤⦘، فَتَقَدَّمَ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعُقِرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسُهُ، وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ فَالْتَقَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو قَتَادَةَ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَبِي قَتَادَةَ، وَطَعَنَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ، ثُمَّ وَلَّى الْقَوْمُ لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَاتَّبَعْتُهُمْ عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ فُرْسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ رَجَّالَتِهِمْ أَحَدًا، ثُمَّ مَالُوا إِلَى مَاءٍ، يُقَالُ لَهُ ذُو قَرَدٍ فَأَبْصَرُونِي وَرَاءَهُمْ فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ عِطَاشٌ، حَتَّى أَلْحَقَ فِي ثَنِيَّةِ ذِي الدَّثِيرِ، فَأَلْحَقَ رَجُلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي مُؤَخَّرِ الْقَوْمِ فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَالَ: وَاثُكْلُ أُمِّي أَكْوَعِيًّا بُكْرَةً، قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَأَخَذْتُ بِفَرَسَيْنِ أُرْدِيهِمَا فِي الثَّنِيَّةِ، فَسُقْتُهُمَا مَعِي حَتَّى أَلْقَى عَمِّي عَامِرًا فِي الظَّلَامِ عَلَى بَعِيرٍ مَعَهُ سَطِيحَتَانِ إِحْدَاهُمَا مَذْقَةٌ أَيْ بَقِيَّةٌ مِنْ لَبَنِ وَالْأُخْرَى مَاءٌ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، حَتَّى آتِيَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلًا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ ذُو قَرَدٍ وَوَجَدْتُ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْوِي كَبِدًا وَسِنَامًا مِنْ جَزُورٍ نُحِرَ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي حُوِيَتْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ذَرْنِي فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةً فَآخُذُ عَلَيْهِمْ بالْعَشْوَةِ فَأُصْبِحُ، وَلَمْ يَبْقَ مُخْبِرٌ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِي عَشْوَةِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا سَلَمَةُ أَكُنْتَ فَاعِلًا؟» ، قُلْتُ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُمُ الْآنَ لَيَقَرُّونَ فِي غَطَفَانَ» ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلُوا بِفُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا ثُمَّ أَبْصَرُوا الْغَبَرَةَ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَخَرَجُوا وَتَرَكُوا قِرَاهُمْ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ جَمِيعًا، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ كَالرَّوْحَةِ أَوِ الْغَدْوَةِ أَتَانَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ. فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟، أَلَا هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ أَمَا تُكْرِمُ عَلَيْهِ كَرِيمًا، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟، قَالَ: لَا إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَفَلَا أُسَابِقُ الرَّجُلَ؟، قَالَ: إِنْ شِئْتَ. فَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ، فَطَفَرْتُ عَنْ ظَهْرِ النَّاقَةِ، ثُمَّ قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ، وَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ ثُمَّ تَرَفَّعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ، فَصَكَكْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: سَبَقْتُكَ وَاللَّهِ قَالَ: إِنِّي أَظُنُّ. ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَمَا لَبِثْنَا بِهَا إِلَّا ثَلَاثًا، حَتَّى خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، فَخَرَجْتُ وَعَمِّي عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ الْقَوْمَ، وَيَقُولُ:
[البحر الرجز]
تَالَلَّهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَامِرٌ، فَقَالَ: «غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ» ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ يَخُصُّهُ لِرَجُلٍ إِلَّا اسْتُشْهِدَ. قَالَ: فَنَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ أَقْبَلَ مَرْحَبٌ، فَقَالَ:
[البحر الرجز]
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِ السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَامِرٌ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِ السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ وَرَجَعَ سَيْفُ عَامِرٍ عَلَيْهِ، فَأَصَابَ سَاقَ نَفْسِهِ فَأَتَى لَهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَرَرْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟، قَالَ: «وَمَنْ قَالَ ذَاكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَعْضُ أَصْحَابِكَ، قَالَ: «كَذَبَ ذَاكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقِيلَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ أَرْمَدُ، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَبَسَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَمَّا بَرَزَ عَلِيٌّ فَارْتَجَزَ مَرْحَبٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِ السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
[البحر الرجز]
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَفَلَقَ عَلِيٌّ رَأْسَهُ وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ