للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ، فهو تناوله على الْوَجْهَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ غَصْبًا مِنْ مَالِكِهِ، أَوْ كَانَ بِرِضَاهُ، إِلا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شرعاً، مثل القمار والربا. وَهَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا.

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: أَبْنَا سُفْيَانُ عَنِ رَبِيعٍ عَنِ الْحَسَنِ {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ١ قَالَ: مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: بنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرٍو، أَنَّ مَسْرُوقًا٢ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} قَالَ: "إِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ"٣.

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي التَّفْسِيرِ، وَمُدَّعِي عِلْمَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ تَحَرَّجُوا مِنْ أَنْ يُوَاكِلُوا الأَعْمَى وَالأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ، وَقَالُوا إِنَّ الأَعْمَى لا يبصر أطايب الطَّعَامِ، وَالأَعْرَجَ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَالْمَرِيضَ لا يَسْتَوْفِي الأَكْلَ، فأنزل الله عزوجل: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ} الآية٤ فنسخت هذه الآية٥.


١ الآية (٢٩) من سورة النساء.
٢ أما مسروق، فهو: ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة، فقيه، عابد مخضرم من الثانية، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وستين. انظر: التقريب ص: ٣٣٤.
٣ ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور٢/ ١٤٣ وقال: "أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وفيه (ولا تنسخ إلى يوم القيامة".
٤ الآية (٦١) من سورة النور.
٥ ذكر هبة الله في ناسخه ص: ٣٦ - ٣٧، ونسبه مكي بن أبي طالب في ناسخه (١٩٠) إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ثم قال: "وهذا لم يصح عنه". وأخرج نحوه الطبري في جامع البيان ٥/ ٢٠ - ٢١، عن عكرمة والحسن من طريق عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ المروزي الذي قال عنه المنذري: "قد ضعف".
قلت: أسلوب المؤلف في تفنيد هذا القول يدل على عدم ثبوته عن هؤلاء، لذا لم يتعرض في زاد المسير لقول النسخ أصلاً. وقد أنكر الطبري دعوى النسخ في المصدر السابق، كما أنكر ذلك مكي بن أبي طالب أيضاً: حيث قال: بعد ذكر دعوى النسخ: "قلت: وهذا لا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ، لِأَنَّ أكل الأموال بالباطل لا ينسخ إلا إلى جواز ذلك، وجوازه لا يحسن ولا يحل. فأما من أكلت ماله بطيب نفسه من صديق فهو جائز وليس ذلك من أكل الأموال بالباطل بشيء - والآية في النساء - وهي في النهي عن أكل مال غيرك من غير طيب نفسه، فهو من أكل المال بالباطل. والآية - في النور - هي في جواز أكل مال غيرك عن طيب نفسه، وذلك جائز. فالآيتان في حكمين مختلفين لا تنسخ إحداهما الأخرى، فلا مدخل لذكرهما في هذا الباب"، انتهى.
انظر: كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص: ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>