للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} ١.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُحْكَمٌ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَغَدَرُوا وَأَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ، وَلَمْ تُنْسَخْ٢.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَعْفِيَ عَنْهُمْ فِي غَدْرَةٍ فعلوها مالم يَنْصِبُوا حَرْبًا، وَلَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَالإِقْرَارُ بِالصِّغَارِ فَلا يتوجه النسخ٣.


١ الآية (٥٨) من سورة الأنفال.
ذكر هذا القول مكي ابن أبي طالب في الإيضاح ٦/ ١٠١ ولم ينسبه إلى أحد.
٢ يقول مكي في المصدر نفسه: "فأما من قال: المائدة نزلت بعد براءة، فالآية عنده محكمة غير منسوخة، لكنها مخصوصة نزلت في قوم من اليهود، أرادوا الغدرة بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنجاه الله منهم، وأمره بالعفو عنهم ما داموا على الذمة. وهو الصواب إن شاء الله. لأن القصة من أول العشر إلى آخره وما بعده كله نزلت في أهل الكتاب والإخبار عن حالهم عهدهم وخيانتهم وغير ذلك".
٣ ونصّ كلام ابن جرير: (قال أبو جعفر: والذي قال قتادة – وهو أن الآية منسوخة بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} - غير مدفوع إمكانه، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر هو ما كان نافياً كل معاني خلافه الذي كان قبله، فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله عزوجل أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} دلالة على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود، وإذا كان ذلك كذلك وكان جائزاً بالصغار وأداء الجزية بعد القتال - الأمر بالعفو عنهم غدرة هموا بها أو نكثة غرموا عليها ما لم ينصبوا حرباً دون أداء الجزية ويمتنعوا من الأحكام اللازمة منهم - لم يكن واجباً أن يحكم لقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} بأنه ناسخ قوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} انتهى من جامع البيان ٦/ ١٠١.
قلت: أورد المؤلف رأى ابن جرير هذا في مختصر عمدة الراسخ الورقة (٥) وفي زاد المسير٢/ ٣١٤، ثم قال: (فلا يتوجه النسخ). وأما النحاس في ناسخه ص: ١٢٣، فقد أورد النسخ بإسناده عن قتادة كما أورد الإحكام على ضوء ما قاله الطبري، ثم قال: "وهذا لا يمتنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه".

<<  <  ج: ص:  >  >>