للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ، لِأَنَّ قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} أمر بالقتل وقوله: {وَخُذُوهُمْ} أَيِ: ائْسِرُوهُمْ، فَإِذَا حَصَلَ الأَسِيرُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ صبراً، أي ذلك رأي فيه المصلحة للمسلمين. فعلى هَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ١.

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ وَهِيَ آيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ مِنَ الْقُرْآنِ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَعِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ صَارَ آخِرَهَا نَاسِخًا لِأَوَّلِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم) ٢. وَهَذَا سُوءُ فَهْمٍ. لِأَنَّ الْمَعْنَى: اقْتُلُوهُمْ وَأْسِرُوهُمْ إِلا أَنْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ، وَيُقِرُّوا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فخلوا سبيلهم ولا تقتلوهم٣.


١ ناقش المؤلف هذه القضية في تفسيره ٣/ ٣٩٩ بنصّ هذه العبارة وزاد فيه: (وهو قول الإمام أحمد).
٢ الآية الخامسة من سورة التوبة.
وهذا القول ذكره ابن حزم في ناسخه ص: ٣٤٠، وهبة الله في ناسخه (٥١) ويذكر السيوطي في الدر المنثور٢/ ٢١٣: "أن الجزء الأخير من الآية نسخ واستثني من الجزء الأول". وعزا هذا القول إلى أبي داود في ناسخه: وأورد مكي بن أبي طالب في ناسخه (٢٦٩) مثل هذا القول عن ابن حبيب، ثم رد عليه بقوله: "لا يجوز في هذا نسخ، لأنها أحكام الأصناف من الكفار، حكم الله على قوم بالقتل إذا أقاموا على كفرهم، وحكم لقوم بأنهم إذا آمنوا وتابوا أن لا يعرض لهم، وأخبرنا بالرحمة والمغفرة لهم، وحكم لمن استجار بالنبي عليه السلام وأتاه، أن يجيره ويبلغه إلى موضع يأمن فيه، فلا استثناء في هذا إذ لا حرف فيه للاستثناء ولا نسخ فيه إنما كل آية في حكم منفرد، وفي صنف غير الصنف الآخر، فذكر النسخ في هذا وهم وغلط ظاهر وعلينا أن نتبين الحق والصواب".
٣ قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لذكر هذه الآية أصلاً لشدة ضعف قول النسخ فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>