إن (كاسترو) لا يجد بعد في تصرفه، ذلك الجهاز الثقيل من إحصائيات وآلات إلكترونية وأصحاب اختصاص، ذلك الجهاز الذي يجعل الإنتاج المتسلسل عملية لا ثغرة فيها ولا خلل كما هو الأمر في البلاد المصنعة.
ولكن وطنا لم يزل في طور التكوين، لا يمكنه أن يمتع نفسه بهذا الحشد من الأرقام، وبهذا الترف من الآلات الإلكترونية، ليبلغ منذ اللحظة الأولى الذروة في ضبط عملية الإنتاج، والدقة التي لا تترك ذريعة فيها.
إن الإتحاد السوفييتي نفسه مر بهذه المرحلة، فقد كانت، أثناء مخططه الأول بين عامي ١٩٢٨ - ١٩٣٢م نسبة (٤٠% إن لم نقل ٥٠%) من إنتاجه من الحديد أو من الخزف، تلقى في أكداس المهملات أو تعود إلى أفران التذويب.
ولم يكن الإتحاد السوفييتي يخشى أن يتعلم الصناعة بهذا الثمن، كما كانت روسيا في عهد بطرس الأكبر تتعلم فن البحرية والحرب العصرية. حتى كان النبلاء فيها من طبقة (البويا) يقصرون لحاهم على الطريقة الأوربية.
إذن فليس على (كوبا) أن تخجل من تدريبها، وإذا اتهم (كاسترو) بأنه يرتجل فليكن؛ غير أننا نعترف بأنه يرتجل بطريقة موفقة عندما نرى، منذ زمن قريب، كيف تخرج من يده قرية مجهزة بمدرسة ومصحة في مكان (مدينة صفائح) توافرا لها منذ شهر ونصف الشهر فقط.
فإذا كانت الحالة هذه بكوبا تثير التعجب والاستغراب من طرف بعض الملاحظين، فإنما يعود ذلك إلى أن القرن العشرين تعود أن يستقطب الأفكار حول قطبين هما: الرأسمالية والماركسية، ولا يحتمل احتمالا ثالثا لهما يبدو معه أن لا مناص من أن تستوحى الأفكار من هذا القطب أو من ذاك القطب، في الميدان الاقتصادي أو التربوي أو السياسي دون تفكير خارجهما.