لكن (كاسترو) تحرر في تفكيره من كل تبعية لموسكو أو بكين، على الرغم من أنه ينتمي إلى مدرسة (ماركس) فبدأ يبتكر أو يرتجل كما يقولون.
وليس خروج (كاسترو) عن الماركسية المألوفة تنكرا للفكرة نفسها أو حبا للظهور بالأصالة، إنما هو تمسك رجل دولة بما يراه ضروريا من حرية في الفكر وفي التصرف، للقيام بوظيفته طبقا لما تقتضيه تجربة بلاده.
ونحن ما نزال على مقربة من بداية هذه التجربة، قربا لا نستطيع معه الحكم منذ الآن، فهل ستؤدي إلى انشقاق نظري أم لا؟! وماذا ستكون آثار هذا الانشقاق- إذا حدث- في المجال السياسي بوجه خاص؟!
ولكننا نستطيع منذ الآن ملاحظة فوارق جذرية، إذا ما تذكرنا ما قاله (لينين) وهو يواجه أقسى الصعوبات بعد هدنة (بريست ليتوفسك): ((إذا وجب علينا أن نسير إلى النصر زحفا على البطون ..... فليكن)).
بينما كاسترو يصرخ طاقة جهده بأن (سياسة الثورة) لا تقوم على الحسابات، فالمصلحة الوطنية وما يمليه أمر الدولة، إنما تقوم على المبدأ الأخلاقي.
فهذا كلام لا نتصوره على لسان رجل مثل (الكردينال دوريشيليو)، ولا على لسان (تاليران)، وإنما نجده في صرخة (دوبان دونمور)، الذي صرخ ذات يوم في مناقشات تدور بمجلس الثورة الفرنسية حول قضية المستعمرات، صرخ قائلا:((فلتمت المستعمرات ولكن لا نسلم في مبدأ من مبادئنا)).
إن (كاسترو) ليس عالم أخلاق وإنما رجل دولة يعرف قيمة الأخلاق في السياسة.
لكن التاريخ لن يصدر عليه حكمه طبقا لمبادئ مجردة بل طبقا لنتائجها في الواقع الملموس.