أما (الحق) ... فما أغراها من كلمة! إنها كالعسل يجذب الذباب ويجتذب الانتفاعيين، بينما كلمة (الواجب) لا تجتذب غير النافعين.
وكلمة الواجب على الصعيد السياسي توحد وتؤلف، بينما كلمة (الحق) تفرق وتمزق.
إن زعماء الجنوب يعطون اليوم، بفرقتهم وتناحرهم وتطاحنهم أجلى صورة عن هذه الظاهرة (١).
وما كان اجتماعهم الأخير في القاهرة حيث اجتمع- كما نذكر- ممثلو الحركتين المتنازعتين حول مائدة خضراء، ما كان هذا الاجتماع إلا محاولة من كل من الطرفين للحصول على أكبر نصيب ممكن من النفوذ والسلطة، وهو لم يكن بالتالي إلا حوارا بين صم لم يتعلموا حتى الكلام بالأصابع. واجتماع كهذا ما كان له أن ينتج غير الإفلاس الذي شاهدناه.
إنما ينبغي ألا ننسى مكيدة عجلت بذلك الإفلاس، فالقارئ يتذكر بدون شك أنه في نهاية الإجتماعات، وحتى أثناءها، وزعت شركة أنباء غير موفقة، أوْ لها على العكس توفيق خاص، نبأ يزعم بأن الطرفين قد وصلا إلى اتفاق على تأليف حكومة على رأسها زعيم من حركة ...
لقد كان هذا النبأ بمثابة (برقية أيمس) تلك البرقية المزيفة التي سبقت حرب ١٨٧٠ بين فرنسا وألمانيا، فألهبت برميل البارود وبلغت الأزمة أشدها. وإذا بالرصاص الذي أعد لصد الإمبرياليين يحصد في صفوف المقاومين والمجاهدين من أجل الاستقلال.
(١) كتبت هذه المقالة أيام كانت فكرتنا عن الجنوب العربي غير واضحة. أما اليوم فإننا نعرف ماذا يريد جورج حبش وحواريوه في المنطقة.