ولو طرحت هذه القيادة قضيتها تحت عنوان (مشكلة حضارة) بل لو تعمدت طرحها بهذه الطريقة لحققت بدفعة واحدة هدفين:
الأول في المجال النفسي؛ حين تحرر كل زعيم من هؤلاء الزعماء من عقدة السلطة، فينظر إلى الاستقلال من زاوية الواجبات توضع على كاهل كل فرد، بدلا من نظرته إليه من زاوية الحقوق يمنحها له، إذن هذا الزعيم سيعدل تلقائيا أطماعه في السلطة.
والهدف الثاني نتيجة للهدف الأول على الصعيد السياسي؛ إذ بقدر ما تتعدل نظرة الزعيم نحو السلطة، ويتحول تقديره لها من مجموعة (حقوق) إلى مجموعة (واجبات)، يضيق مجال مناورات الاستعمار، لأنها تصبح غير ممكنة في نفوس محصنة بعيدة عن الهوى والغرور.
فكل عمل يسهم في تضييق هذا المجال النفسي (الطمع في السلطة) يستحق التقدير، خصوصا في وطن يعيش مرحلة من (تصفية الاستعمار).
هكذا نرى أنفسنا أمام ضرورة ملحة كثيرا ما ألمحنا إليها في مقالات سابقة، ألا وهي تصفية الاستعمار في العقول قبل كل شيء.
فتصفية الاستعمار من العقول تتطلب أشياء كثيرة يتضمنها مفهوم الثقافة ومفهوم الحضارة، فهي لا تتحقق إذن بمجرد انسحاب جيوش الاستعمار، ومجرد إعلان الاستقلال وتحرير دستور كما هو الأمر بالنسبة للتراب الوطني.
ولا نستطيع في هذه السطور إلا الإشارة الرمزية إلى هذا المضمون، ثم يبقى إدراجه في منهج تربوي يهدي إلى تقويم جديد في ضمير كل مواطن، وخاصة كل زعيم، لمفهوم الواجب المطهر، الذي من شأنه أن يطهر أولا الجو السياسي في الأوطان التي تعيش مرحلة تصفية الاستعمار.