للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا يمكن لنا أن نفهم معنى فاتح تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٥٤ بصفته بعثا وتحريرا للإنسان إذا غابت عن أذهاننا عملية التلويث، التي عاناها الإنسان الجزائري طيلة قرن ونصف.

ففي هذه الحقبة الطويلة من الزمن كان على الإنسان أن يحتقر نفسه وأن يتحلى بألقاب (أنديجين) .. كي يتناغم مع وضع استعماري لا شفقة فيه.

والمثقف في الجيل السابق كان يطالع جريدة (صوت الانديجين) وجريدة (صوت المحتقرين)، وإذا تعين عليه أن يكتب شيئا فموضوعه يتحدد في ذهنه بقابلية للاستعمار، وكذلك المثقف الجزائري الذي نشر حوالي عام ١٩٢٥ كتابا عنوانه (يا ألله)، وأردف هذا العنوان بعنوان آخر يفسره ((أو كيف يأمر الأوربي (الانديجين) حتى يطيعه)). لعل هذه العبارة تكفي دليلا على سمو العواطف عند صاحبها، أليس كذلك؟.

ولم تكن هذه البضاعة السخيفة ليحتكرها مثقفون، بل نجد هذا النوع من أدب العبودية منتشرا في أرجاء العالم الثالث، وفي إندونيسيا منه عينات نقل بعضها (ريدشارد قرقايط) في كتابه عن باندونج.

فأينما حل الاستعمار كان يلوث الإنسان، حتى أصبحت تصفيته من رواسب الاستعمار، أهم عمل ثوري في الثورة.

فلا غرابة إذن في أن الذين كانوا في فرنسا يعرفون عن العامل الجزائري صورة هزيلة، يكتشفون له بصورة مفاجئة صورة تفرض التقدير والاحترام عندما اندلعت الثورة.

لقد لعبت الكلمات نفسها دورا في هذا التعبير، فبمجرد أن كان الجزائري يلقب (بالمجاهد)، كان وكأنما ألغى من ذهن الآخرين صورة (الانديجين) الحقير، حتى قبل أن يطلق أول رصاصة في الجبل.

<<  <   >  >>