هلا قضيت ليلك في المصنع، ثم خرجت في البكور مكبا على وجهك كأنما ظهرك قد انقسم نصفين، وكأنما عضلاتك لم يبق منها شيء، وقد التصق قميصك بجلدك من العرق؟.
إنك إذا كنت كابدت شيئا من ذلك فأنت تعرف القضية.
ولسوف تدرك أحلام الذين يذهبون هناك ثم يعودون بخفي حنين بعد إقامة قصيرة غير مجدية، أو يبقون في باريس يتعرضون للأمراض والتدهور الأخلاقي والإجتماعي الذي يتهددهم.
ولسوف تدرك أيضاً ما يبذل هؤلاء الذين بقوا هناك من جهد ليسلموا من أخطار تحدق بهم، وليجدوا لأسئلة تؤرقهم أجوبة تستشفها عقولهم.
أجل ... إنك إذن ستدرك هذا كله دون كلمة أو نصف كلمة لأنك ذقته، لأنك عشت في لهبه، وكرعت من حوضه!!.
فالكلمات لا تستطيع سوى أن تخط حول هذا الموضوع خطا أسود يشير إلى محتواه الإجتماعي والسياسي.
أما هؤلاء (المتعطرون) الذين يتحدثون عن (الشروط الموضوعية) للعمل، وهم ينعمون على سطح مقهى من المقاهي الفخمة، فهؤلاء لا بد أن تكم أفواههم حتى لا يدنسوا بكلماتهم موضوعا كهذا.
وقبل هؤلاء، ينبغي أن تكم أفواه أساتذتهم الدجالين الذين لم يتعرفوا على الجماهير الكادحة، إلا في تلك القاعات الفسيحة حيث كانوا يأتون قبل الثورة، يعللون آمالهم- (فالجزائر لا ييئس أبدا من رحمة الله) - بكلمات خلابة حتى يجمعوا تبرعاهم في كل شهر.
ومهما يكن من أمر، فنحن اليوم أمام وضع معين علينا أن نباشره بحكمة.