وإذا ما تفحصنا هذا الجوهر وجدنا أنه من عنصر أخلاقي وهو متصل بما وراء الطبيعة أي من العنصر النفسي.
فالفكرة الموجهة لسياسة تستطيع مواجهة أهوال التاريخ، لابد لها أن تتكون من هذا الصنف، إذ الجهد المدعوم بمصلحة عاجلة قد يتولى، ليس فحسب حين تحصل في بعض الظروف خيبة أمل تدفع إلى التراجع والقهقرى، بل حتى إذا دخل المجتمع بفضل ما حققه، حالة إشباع يسودها الفتور واللامبالاة.
ففي الحالين كليهما يتعرض المجتمع للانفرادية، أي لأصناف التمزيق. وهكذا لا يستطيع مجابهة أهوال الزمن إلا جهد تدعمه عقيدة لا يعتريها الشك أبدا.
والتاريخ منذ عهد (الفيران) في روما، إلى شهداء بدر، إلى أبطال ستالينجراد، ليس إلا شرحا لهذه الحقيقة.
فالتعاون بين الدولة والفرد، لابد له من جذور في عقيدة تستطيع وحدها أن تجعل ثمن الجهد محتملا مهما كانت قيمته لدى صاحبه، فيضحي هكذا بمصلحته حتى بحياته في سبيل قضية مقدسة في نظره.
إن السلوك الذي سمي (الستخانوفية) لا يفسر بوصفه عامل إنتاج إلا بهذه الطريقة. فهو المظهر الإقتصادي في حياة مجتمع تحركه فكرة توجيه تفوق كثيرا الإمكانيات العادية في ذلك المجتمع.
وإفلاس الإستعمار في المستعمرات كان محتوما، طبقا لقانون التعاون الضروري الذي كان مستحيلا بين الإستعمار والإنسان المستعمر.
ولا يعني هذا أن الإستعمار لم يحاول مواجهة المشكلة هذه، بفصل المسلم عن الإسلام، إلا أنه باء بالفشل، سواء بمحاولاته ذات الطابع اللاديني أو ذات الطابع الديني الهادف إلى (التمسيح).