والاقتصادي، فكان لابد إذن من مثل يؤخذ من هذه التجربة، ومثل يؤخذ من تلك التجربة، على الرغم من التباين المذهبي والسياسي بين التجربتين كلتيهما.
فحين يتحدث الأستاذ مالك عن اليابان حينا، وعن الصين أحيانا، على الرغم من أن الأولى ذات نظام رأسمالي والثانية ذات نظام شيوعي؛ فلكي يزيل عن أذهان العالم الثالث، ما قد فرضته معطيات الحياة المعاصرة، من حتمية الاختيار بين أي من النظامين في مواجهة ضرورات المستقبل.
فالأستاذ مالك يهتم بتوضيح الضوابط الفنية للحركة الاجتماعية، التي تتكون في بنائها ثقافة كل مجتمع، ويتكون في إطار هذه الثقافة حضارة توفر الشروط والضمانات الضرورية لأفراد ذلك المجتمع.
وهو في كل ما حدد من ضوابط في هذه المقالات في الإطار الثوري أو السياسي أو الاقتصادي، إنما يثري الفكر الإسلامي برؤية جديدة، يتعامل من خلالها مع القيم التاريخية والأصالة التي أودعها الإسلام ضمير العالم الإسلامي عبر العصور.
فالأستاذ مالك، يدعو إلى بعث هذه القيم في إطار ثورية حقيقية، ترتكز في أساسها على ما ارتكزت عليه الثورة الإسلامية في عهد النبوة، لذا يربط الأستاذ مالك بين معطيات السنن الإلهية في تطوير المجتمعات وتغييرها، وبين نجاحها الفعلي في كل أمة اتخذت طريق هذه السنن في مواجهة مستقبلها، مهما كان اتجاهها الفكري والمذهبي.
هذا الربط، إنما هو تأكيد للقاعدة التي هي سنة الله لا تبديل لها. فالله {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: ١١/ ١٣]. وتغيير ما بالنفس إنما هو تغيير ما بالفكر من رؤية للأمور، وما بالروح من رتابة وجمود.
لذا بدا صوت الأستاذ مالك في هذه المقالات، عاليا وأحيانا منفعلا، وهو